منذ أن تحررت عدن في 2015 وطردت عناصر تنظيم القاعدة من الساحل الحضرمي في 2016 تحددت خارطة النفوذ السياسية على الجغرافية اليمنية،
ففيما كرست جماعة الحوثي سلطة الأمر الواقع على خمس عشرة محافظة شمالية وجدت المحافظات الجنوبية نفسها أمام استحقاق سياسي بمعالم واضحة حددت على مدى السنوات أفق الجنوب وكذلك الشمال، لم تتغير قواعد الاشتباك العسكري حتى مع تشكيل المجلس الرئاسي وإزاحة هادي وجزء من تيار الإخوان عن المشهد.
المبعوثان الأممي هانز غروندبرغ والأمريكي تيم ليندركينغ ومعهما عشرات من ممثلي الاتحاد الأوروبي لم يجدوا من ثغرة يمكنهم النفاذ إليها للدفع بعملية السلام، جمود ما بعد إعلان الهدنة وتمديدها ظل جاثماً وباتت المحاولات تراوح مكانها في ظل وضع جماعة الحوثي مزيداً من الاشتراطات للبدء في عملية التفاوض السياسية التي يجب أن تنهي الحرب، الجهود الدولية تحولت لاستجداء الطرف الانقلابي ليس لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216 بمقدار القبول بتمديد الهدنة، هذا ما يلخص ما وصلت إليه الحالة اليمنية البائسة.
الاستقطابات الحادة هي جزء من طبيعة التكوين السياسي اليمني من منتصف القرن العشرين بقيام الجمهورية العربية اليمنية شمالاً في 1962 وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 1967 جنوباً، هذه الحالة تقود دائماً لتصادمات عنيفة سواء في اليمن الشمالي كما حدث في حروب المناطق الوسطى وما حدث في أحداث يناير داخل المكتب السياسي للحزب الاشتراكي في عدن، وهو ما حصل كذلك ما بعد مؤتمر حوار صنعاء وأدى إلى انقلاب الحوثي في 2014 وعلى ذلك فإن الاستقطابات تمثل خطراً حقيقياً قد يعيد اليمنيين إلى تصادمات متعددة ما لم تستطع القوى الدولية من تحقيق اختراق حقيقي في المشهد السياسي اليمني.
بموجب نقل السلطة إلى المجلس الرئاسي فللقضية الجنوبية إطار خاص لمعالجتها وهذا هو المدخل النافذ الممكن أمام الجميع، فالمفاوضات السياسية لإنهاء الحرب ممكنة متى ما أوقفت الأطراف عند حدودها الحالية دون مزايدات واستقواء فمتى ما جمعت القوى السياسية اليمنية على طاولة واحدة بواقع ما تمثله تلك القوى النافذة على الأرض فأنه لا فرصة لوضع مزيد من الاشتراطات أو ابتزاز بقضايا هامشية لا معنى لها كقضية (طربال تعز) والترويج لقضية الطرق المغلقة فهذه قضية ابتزاز إخوانية لا معنى لها على الأرض ولا في السياسة ولا يجب النظر إليها في ظل توطين العناصر الإرهابية لمدينة تعز وفرض أجندة متطرفة لتحقيق مكاسب سياسية لحزب التجمع اليمن للإصلاح.
الممكن في اليمن ليس مستحيلاً فالمستحيل هو إبقاء البلاد بهذه الحالة المعيشية الصعبة ففشل الحكومة عن تقديم الخدمات للمحافظات الجنوبية المحررة لم يعد مسألة يمكن تسويقها للرأي العام الداخلي والدولي، آن الأوان لوضع حدود للعبث السياسي المنفلت الذي أنتج صراعا داميا دفع ثمنه الشعب والإقليم في مزايدات قوى الإسلام السياسي والقوى القبلية المتعصبة المستفيدة من الحروب المستدامة، الممكن في اليمن القبول بما هو حاص،ل فهذا ما أنتجته سنوات الاحتراب وعلى الجميع القبول بها، حتى وإن كانت بطعم العلقم فهذه هي الحروب لا تنتج أبداً عسلاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة