الفقر يحاصر لبنان.. فهل تستسلم بيروت للانهيار الاقتصادي؟
الأزمة تسببت بارتفاع معدّل التضخّم وجعلت قرابة نصف سكان لبنان تحت خط الفقر، كما خسر عشرات الآلاف جزءا من رواتبهم أو وظائفهم
يتعرض اقتصاد لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى سلسلة زلازل عنيفة أفقدت العملة الوطنية 70% من قيمتها، وأعادت إلى الأذهان سيناريوهات مريرة عانتها البلاد إبان الحرب الأهلية في السبعينيات والثمانينيات، بعدما بات الفقر مصير آلاف اللبنانيين ممن يعتمدون على مدخراتهم من العملة الصعبة.
وفي ظل الهبوط الحاد لسعر الليرة اللبنانية والذي لامس 6 آلاف ليرة مقابل الدولار في السوق الموازي (غير الرسمية)، ازداد غضب اللبنانيين وظلوا يحتجون على الحكومة وسياساتها الاقتصادية على مدى شهور عدة، تعبيرا عن سخطهم إزاء التراجع غير المسبوق في قيمة عملة بلدهم، ونظموا مظاهرات وأغلقوا الشوارع والطرقات في عدد من المدن، من طرابلس في الشمال إلى صور في الجنوب.
وقطع متظاهرون مجددا الجمعة عدة طرقات، فيما تدخل الجيش لإعادة فتحها. كما تظاهر العشرات ليلاً أمام مقر المصرف المركزي في العاصمة بيروت.
وتعرّض عدد من فروع المصارف لتكسير واجهاته. وحاول المحتجون حرق فرع مصرف لبنان في طرابلس.
بالأرقام اقتصاد لبنان نحو الهاوية
بلغ حجم الدين في لبنان 91 مليار دولار في نهاية 2019 ويبلغ 157.5% من حجم الناتج المحلي الإجمالي.
ويأتي لبنان في المرتبة الثانية عربيا في نسبة الدين لإجمالي الناتج المحلي الإجمالي بعد السودان.
وسجل معدل النمو في لبنان حتى عام 2018 نسبة 0.07%، وفي عام 2019 كان 0% ومن المتوقع في 2020 يكون بالسالب.
وانهارت الليرة اللبنانية بشكل مفاجئ ليسجل الدولار في السوق السوداء 6000 ليرة في حين السوق الرسمي والمصرف المركزي اللبناني يعلن سعر صرف الدولار 1511 ليرة، مما نتج عنه توقف التجارة الداخلية وعمليات البيع والشراء تحسبًا لزيادات متوقعه في سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية.
وفي مارس 2020 أعلن لبنان تخلفه عن سداد أقساط الدين السيادية المستحقة عليه حيث توقف عن سداد أقساط الربع الأول من 2020 والذي كان يقدر بـ1.2 مليار دولار في حين أن إجمالي الأقساط المستحقة على لبنان خلال 2020 هي 4 مليارات دولار.
وشهد سوق العمل في لبنان انتكاسة كبيرة حيث فقد أكثر من مليون لبناني وظائفهم وأصبحوا بلا عمل، نظرًا لعجز لبنان عن جذب استثمارات خلال العامين الماضيين وتوقف كثير من الشركات والمصانع، كما أن معدل الفقر تجاوز 51%.
ملامح المستقبل
لا يزال مستقبل الاقتصاد اللبناني غامضا في ظل اشتعال الغضب الشعبي على خلفية الانهيار المتواصل لليرة، فيما يعكف مجلس النواب اللبناني، اليوم الجمعة، في جلسات متواصلة لاحتواء أزمة العملة المنهارة.
وقال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إن الحكومة تعكف على خطوات اليوم الجمعة لتعزيز عملة البلاد الليرة المنهارة، بهدف وصول سعر الليرة مقابل الدولار إلى ما يتراوح بين ثلاثة آلاف و3200.
ولم يحدد بري الذي كان يتحدث مع الصحفيين بعد اجتماع مع الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء حسان دياب ما الخطوات التي ستُتخذ لكنه قال إن تأثيرها لن يظهر قبل يوم الإثنين المقبل.
وانخفضت قيمة الليرة بوتيرة سريعة في الأيام القليلة الماضية، لتنزل إلى نحو خمسة آلاف مقابل الدولار أمس الخميس من نحو 4100 قبل أسبوع، مما أوقد شرارة اضطرابات في أنحاء البلاد.
وخسرت الليرة نحو 70% من قيمتها منذ أكتوبر/تشرين الأول، حين اندلعت اضطرابات للمرة الأولى وانزلق لبنان نحو أزمة مالية شهدت نضوب الدولارات وشبه توقف للاقتصاد.
ويسعى مصرف لبنان المركزي لكبح انهيار العملة، واتفق الأسبوع الماضي مع الصرافين على وضع سعر يومي موحد سيتم خفضه على نحو تدريجي إلى 3200 ليرة، لكن المستوردين يقولون إن الدولار غير متاح بهذا السعر المنخفض.
ويُبقى البلد المثقل بشدة بالديون على سعر صرف رسمي مربوط بالدولار عند 1507.5، لكن الدولارات عند هذا المستوى يتم تخصيصها حصرا لواردات الأغذية والأدوية والقمح.
صندوق النقد والإصلاح الاقتصادي
قال بري إن هناك اتفاقا على مخاطبة صندوق النقد الدولي "بلغة واحدة"، في خضم خلافات بين نواب البرلمان ومسؤولي البنك المركزي والحكومة المشاركين في محادثات مع الصندوق بشأن برنامج إصلاح اقتصادي.
وتأمل بيروت في تدبير تمويل بمليارات الدولارات، لكن المحادثات متوقفة بسبب خلافات داخلية بشأن قيمة خسائر كبيرة في النظام المالي ومقترحات بشأن كيفية تغطيتها.
الرئيس يعد بضخ دولارات
قال الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم الجمعة إن مصرف لبنان المركزي سيبدأ ضخ دولارات في السوق اعتبارا من يوم الاثنين بهدف تعزيز الليرة اللبنانية، عقب تراجع سريع للعملة في الأيام القليلة الماضية.
وقال عون في بداية جلسة للحكومة إن الخسائر الضخمة في النظام المالي يجب ألا يتحملها المودعون بل الحكومة والبنك المركزي والبنوك التجارية.
الانفتاح الاقتصادي
ويرى خبراء المال والأعمال أنه لا يوجد حل أمام لبنان إلا أن يتبنى سياسات إصلاحية اقتصاديه، وأن يضع سياسات انفتاحيه لجذب استثمارات عربية وأجنبية خاصة من دول الخليج.
وينصح الخبراء بأن تتجه حكومة لبنان إلى الحصول على دعم مالي وفني من صندوق النقد الدولي، والالتزام بتطبيق سياسات انكماشية لتخفيض الإنفاق الحكومي.