عالم أزهري يروي لـ"العين الإخبارية" كيف نجا من أنياب الإخوان

أستاذ بجامعة الأزهر الشريف بمصر يروي رحلة نجاته من محاولة الإخوان ضمه للجماعة وكيف حولت التجربة حياته
بعمامة أزهرية، ونظرات ثاقبة تنم عن تجربة عايشها منذ ١٨ عاما، توسط الأستاذ بجامعة الأزهر أحمد نبوي، طلابه، منصتا لشواغلهم وحريصا على مناقشتهم بهدوء لا تشوبه عصبية ولا تعصب، مبينا لهم حقيقة واحدة وهي أن "الإسلام الوسطي لا يعرف سلفية ولا إخوانا".
وتعود تجربة الأستاذ الجامعي بالأزهر، إلى بداية عام ٢٠٠٣، عندما كان طالبا في الفرقة الثانية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، إذ حاولت جماعة الإخوان الإرهابية استقطابه للانضمام بين صفوفها، بدعوى خدمة الدين عبر شعارها الذي أرادت به باطلا" الإسلام هو الحل".
رحلة نجاة من شبح الإرهاب
يروي العالم الأزهري لـ"العين الإخبارية"، رحلة نجاته من شبح التنظيم الإرهابي، قائلاً:" كنت طالبا مجتهدا في الكلية، أحصل على تقديرات عالية، وتوقع الإخوان أنني سأعين معيدا وأصبح أستاذا جامعيا، وهنا بدأت محاولات استقطابي".
مساعي الجماعة الإرهابية، لضم "نبوي" استمرت طيلة سنوات دراسته، حتى وصل الأمر إلى ممارسة بعض الضغوط عليه عبر محاصرته داخل الكلية، وفي المدينة الجامعية، ودفعوا بعناصر إخوانية لدعوته للانضمام ومحاولة إقناعه.
ولكن القدر كان له ترتيب آخر، فأراد بالشاب الثلاثيني خيرا، إذ وجد نفسه يذهب إلى مناقشة أستاذه حينذاك، الدكتور أسامة الأزهري، أحد علماء الأزهر الشريف، والذي فند له الوجه الحقيقي للإخوان.
ويقول "نبوي : لما اشتدت ملاحقتي من قبل الإخوان، وكانوا كثيرا ما يقولون لي إن الله يردني وأن الإسلام يناديني، محاولين دغدغة مشاعري، واستغلال الحماسة الدينية التي كنت أمر بها أنا وأبناء جيلي، ذهبت لمناقشة أستاذي الدكتور أسامة الأزهري، وما زلت أذكر نقاشنا الذي استمر طيلة ساعتين، بعدها كان لدي القدرة على النجاة من هذه الجماعة.".
ويسرد الأستاذ الجامعي ملخص الحوار الذي دار بينه وبين أستاذه عام ٢٠٠٤ بقوله:" أخبرته عن رغبتي في الانضمام للجماعة فسألني عن السبب، فذكرت له حديث الإخوان عن خدمة الإسلام، فكشف لي أستاذي إنهم لا يريدون منك خدمة الإسلام، بل خدمة أهداف التنظيم".
ويبتسم أستاذ أصول الدين، متذكرا كيف طرح على "الأزهري" تساؤلات مثل ما الضرر من خدمة الإسلام بالانضمام إلى الإخوان، ويرد أجابني "الأزهري" قائلاً :"حينما يتعلم في الأزهر ويصبح عالما كبيرا وله شأن تكون هذه أعظم خدمة للإسلام".
وخلال المناقشة، التي كانت سببا في نجاة "نبوي"، أوضح له "الأزهري" حقيقة أن "فكرة تكوين الجماعة في الأساس مخالفة للدين؛ لأنها قائمة على أساس اقتطاع جزء من الأمة واعتباره هو الأمة".
كيف تجند الجماعة الإرهابية شبابها؟
يرى "نبوي"، من واقع تجربته، أن جماعة الإخوان الإرهابية تعمل على استقطاب الطلاب المتفوقين وتحاول استغلال الوازع الديني لديهم بحيث ينضمون إلى صفوفها ومن ثم يتحولون فيما بعد إلى وسيلة لاستقطاب آخرين.
وتابع موجها حديثه لشباب الإخوان: ليسأل كل شاب انضم للجماعة لماذا اختاره الإخوان؟، مشيراً إلى أن " الإخوان تختار الشباب الملتزم الناجح، لا يذهبون لمن يستحقون الدعوة، وهذا أبرز دليل على أن هذه الجماعة لا تدعو الناس إلى التزام طريق الله ولكن إلى طريق الجماعة لتحقيق أهدافها ومصالحها السياسية".
لست الوحيد
ويكشف "نبوي" في حديثه لـ"العين الإخبارية": لم أكن الوحيد طوال سنوات دراستي من حاولت الجماعة استقطابه وضمه، فهناك العشرات غيري، ولازلت أذكر كيف رفض آخرون من زملائي الانضمام لهذه الجماعة الإرهابية.
وفي الجهة المقابلة، لا ينسى "نبوي" أحد زملائه ممن انضموا للجماعة، ثم سرعان ما تركوها، اذ تبين له أن قناعاته ورؤيته لن تستقيم مع الإخوان.
ويروي الأستاذ الجامعي الموقف الذي دفع زميله إلى التفكير في حقيقة هذه الجماعة حينذاك: قائلاً: في مساء ليلة شتاء اتصل به مسؤول الإخوان وطلب منه ضرورة التوجه إلى مكان يبعد عن منزله بحوالي ٢ كليو متر سيرا على الأقدام، وعندما ذهب لم يجد شيئا فعاد إلى منزله ليخبروه في النهاية أنه كان اختبار طاعة".
يتابع "نبوي": "وقتها فهم صديقي أنهم يريدونه واحدا من بين القطيع، مساقا بلا عقل، يدين بالسمع والطاعة لهم بدون تفكير، ففر ناجيا منهم دون رجعة".
ومتحدثا عن واقع ملموس بين أوساط الطلاب،فيقول :" انكشفت حقيقة الجماعة ولم يعد أحد يفكر في الانضمام لها، لكن دورنا أن نهيئ شبابنا فكريا وعلميا حتى لا ينخدعوا بأي شكل لهذه الجماعة مستقبلا، لاسيما أننا في عصر نواجه فيه كتائب إلكترونية كل عملها نشر الشائعات َوترويج الأكاذيب.
ثوابت فكرية
ويشدد الأستاذ الأزهري على أن الخلاف مع الإخوان خلاف فكري علمي منهجي وليس خلافا سياسيا، كما تصوره الجماعة الإرهابية، وسعيها للبس ثوب المظلومية الذي اعتادت عليه منذ ستينيات القرن الماضي.
ويضيف العالم الأزهري:" هذه الجماعة مبدأها الأساسي حتمية الصدام، فهم لا يؤمنون بوجود الدولة، ناهيك عن تكفيرهم للمجتمع، لذا وجودهم خطر على أي دولة".
واستطرد أن "خيوط الإرهاب بدأت مع حسن البنا وتأسيسه للجماعة، فهذه هي البذرة الأساسية للتكفير الذي نما وترعرع على يد سيد قطب فيما بعد".
نقاط رئيسية يركز عليها "نبوي"، في تفنيد حقيقة حسن البنا وجماعته وهي "افتقاد أدوات العلم".
ويقول :" لم يكن البنا عالما، ولا أيُّ مرشد من مرشدي الإخوان على مر التاريخ كان معروفًا بالتضلع من العلم، وهذا وحده كفيل باضطراب المنهج، وقلق الأطروحة، بالإضافة إلى جعلهم الحكم من أصول الدين".
وتابع :" هذا ترتب عليه بروز فكر التكفير، واعتقادهم بأنهم جماعة المسلمين؛ مما ترتب عليه احتكارُ الوعد الإلهي بالتمكين، والاستعلاءُ على الآخرين، بل احتكار صفة الإسلام أصلًا دون الباقين من عموم الأمة".
وأضاف: "أيضا حصرهم لمقصدهم في الوصول للحكم؛ مما ترتب عليه فكرة حتمية الصدام مع المجتمع وحمل السلاح، والعمل على هدم المرجعية العلمية للمجتمع كما هو موقفهم مع الأزهر طوال تاريخه وذلك بتصويره دائماً على أنه علماء السلطان حتى يفقد الناس الثقة فيهم ولا يجدون أمامهم سوى المرجعية البديلة سياسياً ودينيا وهي تنظيم الإخوان".
رسالة عالم
وبعد مرور نحو ١٨ عاما من تجربته التي لم ينسها، يحاضر نبوي بين طلابه، ويخصص لهم محاضرة تثقيفية أسبوعية بهدف توعيتهم وحمايتهم من الاختراق السلفي الإخواني لعقولهم.
ويقول الأستاذ الأزهري: "خلال محاضرتي أقول لهم بوضوح إن الأزهري لا يمكن أن يكون له أي غطاء لا إخوان ولا سلفية، وأناقشهم في تأثير العقلية السلفية الوهابية مع الإخوانية علي العلم، وكيف تستهدف السلفية والإخوان تشويش العقل العلمي وتجعله فاقدا للانتماء للوطن، منغلقا متشددا لا ينتمي لشيء سوى الجماعة".
كما دعا إلى ضرورة التركيز على الخطاب المجتمعي التوعوي ونشر الثقافة الدينية بين الشباب، من خلال تكثيف الندوات والمحاضرات الثقافية، والتواجد عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمواجهة إرهاب الإخوان وأباطيلهم.
كما أعرب في ختام حديثه عن تفاؤله لاسيما أن "الجماعة الإرهابية باتت منبوذة من الشعوب العربية والإسلامية، والعالم بأسره".