في سياق الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، برز للعلن الدور الذي تلعبه روسيا في السياسة الغربية، فأحزاب اليمين في الغرب
في سياق الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، برز للعلن الدور الذي تلعبه روسيا في السياسة الغربية، فأحزاب اليمين في الغرب، لا تخفي إعجابها بالرئيس الروسي بوتين وبسياساته، فخلال هذه الحملة، لم يتردد الرئيس الأميركي المنتخب ترامب، في إطرائه وإبداء الرغبة بالتعاون معه. أما في فرنسا، التي ستشهد انتخابات رئاسية قريباً، لم يكن الرئيس الروسي بعيداً عن مسرحها.
فالمرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح اليمين، فرانسوا فيون، يفرط في مجاملته، على حد قول منافسه ألان جوبيه. وقد سبق لزعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، وهو من أكبر الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا «مارين لوبان»، أن وصفت سياسات الرئيس الروسي في أحد خطاباتها، بأنها دفاع عن القيم الأوروبية. ولم تخفِ أحزاب يمينية أخرى في أوروبا، دعمها للرئيس الروسي في حربه في جورجيا وفي أوكرانيا، وأيدت ضمه لشبه جزيرة القرم.
أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا قديمة، يرجع بعضها إلى خمسينيات القرن المنصرم، إلا أن شعبيتها بدأت تتزايد في السنوات الأخيرة، وأصبحت تحتل مواقع في المجالس الحكومية التشريعية والبلدية في بلدانها، وفي المؤسسات الأوروبية كذلك، حيث بلغ عدد أعضاء هذه الأحزاب في البرلمان الأوروبي 165 عضواً من المجموع الكلي لأعضاء البرلمان البالغ 751 عضواً، أي تشغل نسبة 22 % منه.
حظيت ظاهرة صعود اليمين بالاهتمام البالغ من قبل جهات عديدة، رجحت إعزاءها للركود الاقتصادي، وتزايد الهجرة، وتعاظم قوى الإرهاب، إلا أن دراسات أكاديمية ذهبت إلى أن التشكيك بجدوى البقاء في الاتحاد الأوروبي، والدعوة للخروج منه، هي من يقف وراء صعود هذه الأحزاب في أوروبا، ولعل خروج بريطانيا من الاتحاد، يأتي في سياق العلاقة مع صعود هذا اليمين.
الأجواء المتوترة في الساحة الأوروبية، والانقسام في ساحاتها حول الموقف من الهجرة ومن الإرهاب ومن الاتحاد الأوروبي، أغرى موسكو بالتقرب إلى الأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة المعارضة لعضوية بلدنها في الاتحاد، واستضافة قياداتها في العاصمة موسكو للتأثير في سياسات بلدانها.
الأجهزة الأمنية الغربية، أعارت أهمية خاصة للتعرف إلى مستوى العلاقة بين إدارة الرئيس بوتين وبين أحزاب اليمين في أوروبا، فقد دعت وكالات الاستخبارات الأميركية في وقت سابق، لإجراء تحقيق شامل حول الوسائل التي تمكن بها الكرملين من التسلل إلى هذه الأحزاب، والتحري حول التمويل السري الروسي الذي ربما تلقته بعضها على مدى العقد الماضي.
ويعكس ذلك مخاوف متزايدة في واشنطن، من التفاهم المتبادل أو التقارب الأيديولوجي بين الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة، وبين مذهب بوتين أو «البوتينية»، فالأحزاب الشعبوية المتطرفة يمينياً أو يسارياً في أوروبا، قد تحولت إلى أحد أكبر التحديات للاتحاد الأوروبي بعد الإرهاب.
فالتصاعد في دعوات الانكماش قومياً، هي دعوات لتقويض هذا الاتحاد، الذي في حالة حدوثه، يحقق لموسكو مكاسب كبيرة، منها إضعاف دور حلف الناتو، وإنهاء برامج الدرع الصاروخية الأميركية، وإلغاء نظام العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها، وتقويض المساعي الرامية لإيجاد بدائل لمصادر الطاقة الروسية.
الرئيس بوتين يتمتع بسلطات واسعة في بلاده، فالحزب الذي يتزعمه يمتلك الغالبية في مجلس الدوما، إلا أن من الصعب أن يطلق عليه لقب «مستبد»، على الرغم من أن هناك في الأوساط السياسية الغربية، من يعرف «البوتينية» بأنها «مزيج من الاستبداد والقومية ومناهضة الغرب»، فقد أطلق هذا اللقب في السابق على زعماء أقوياء، من أمثال الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت.
والزعيم الفرنسي شارل ديغول، من قبل من لا يكنون الود لهم. كما أن من الصعب وضع الرئيس بوتين في خانة اليمين، على الرغم من أنه لم يُرصد في خطبه وأحاديثه دعوات لتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، أو إعادة النظر بتوزيع الثروة، أو تحسين أطر العدالة الاجتماعية، أو إنهاء العنصرية، أو غير ذلك من الطروحات التي تبعده عن خانة اليمين السياسي، إلا أنه من جانب آخر، ليس مع الليبرالية الاقتصادية التي تدعو إليها أحزاب اليمين المتطرف.
هناك بعض المشتركات في المواقف بين الرئيس الروسي وبين أحزاب اليمين في الدول الغربية، فهو يشترك معهم في إيلاء قضايا البيئة وحقوق الإنسان والحريات عامة، أهمية أقل كثيراً مما توليه الأحزاب الأخرى، فقد شنت إدارته حملة واسعة على منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، ووضعت قيوداً على الإنترنت، وأصبحت أكثر ضيقاً في تحمل النقد في السنوات الأخيرة.
فالنموذج الروسي للديمقراطية، غير ذلك المعتمد في الغرب، بسبب حداثة هذا النمط من الحكم في روسيا من جهة، وبسبب الثقافة المجتمعية التي لا ترى ضيراً من وجود بعض القيود على حرية الرأي والتعبير من جهة أخرى.
من المرجح في ضوء ذلك، أن ما يدفع الرئيس الروسي لدعم أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، ليس التقارب في الرؤى لمستقبل العلاقة بين روسيا والغرب، فاليمين تقليدياً، المعتدل والمتطرف، أقل انفتاحاً في العلاقات مع موسكو من أحزاب الوسط واليسار، وإنما لمعادلة ما يسلطه حلف الناتو من ضغوطات عليها، انطلاقاً من أوكرانيا ودول البلطيق، وفي مقابل الدعم الأوروبي للمنظمات غير الحكومية الروسية المعارضة للحكم، والمطالبة لتوسيع وتعزيز الديمقراطية.
نقلا عن / البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة