يوما تلو الآخر تتكشف الفضائح القطرية في الداخل والخارج، إقليميا ودوليا، ومع ذلك يبقى النظام القطري كاسرة البربون الفرنسية الشهيرة.
يوما تلو الآخر تتكشف الفضائح القطرية في الداخل والخارج، إقليميا ودوليا، ومع ذلك يبقى النظام القطري كاسرة البربون الفرنسية الشهيرة، أولئك الذين لم يتعلموا شيئا مما جرى لهم عبر التاريخ، ولم يتذكروا شيئا من الأحداث التي عاشوها خلال مراحلهم الزمنية المختلفة.
لا ينبغي الاكتفاء بإدانة المواقف الإعلامية الأمريكية المدفوعة بأموال قطر، بل يتطلب الأمر استراتيجية إعلامية سياسية عربية مضادة. فمن المعروف في الولايات المتحدة أن الدول لابد وأن تسعى وتبادر إلى رسم صورتها في الداخل الأمريكي بالشكل الذي ترغب به، وإلا فسيتم رسم صورة أخرى لا تعبر بالضرورة عن حقيقة هذه الدولة.
لا تؤمن قطر بالأفكار الاستراتيجية العميقة الجذور، بل تثق بالصفقات السرية التي لا تصنع صداقات دولية، ولا تقيم مودات إنسانية حقيقية، تلك التي تعتبر حائط صد ورد عند الأزمات. إنها تؤمن وفقط بفاعلية الأساليب السفلية، ويخيل إليها أن العالم برمته حاضر عند أطراف دفاتر شيكاتها، وتحويلاتها البنكية، واستغلال فوائضها المالية لشراء ما يلزم شراؤه من عقول وأفكار.
الشيء الوحيد الذي تملكه قطر هو حفنة الدولارات، أما عن الرؤى الاستشرافية، والخطط التقدمية الحقيقية، فلا دالة لها عليها منذ الأمس، ولا اليوم، ولهذا لا يرجح أن تمضي إلى الغد في سفينة آمنة.
لماذا هذا الحديث والذي يكاد يكون رجع صدى لما أشرنا إليه مرات سابقة عن جزيرة الشيطان؟
قبل فترة كان نجل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعرب عن صدمته البالغة لسماعه أن العديد من محللي الأمن القومي لشبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية لديهم علاقات غير معلنة بالنظام القمعي في قطر، وأن الأمر أصبح مكشوفا الآن، وأن هناك مصالح كبرى تجري بين الجانبين.
حديث ابن الرئيس الأمريكي كانت قد أشارت إليه في شهر فبراير/شباط الماضي مجلة "ذا فيدراليست" الأمريكية، والتي كشفت الستار عن عدد من الصحفيين والإعلاميين الأمريكيين الذين نجح النظام القطري في شراء ذممهم، وسخرهم لمهاجمة المعارضين لسياسات الدوحة التخريبية في المنطقة.
لم يتوقف الأمر عند نجل ترامب أو المجلة المتقدمة، لكنه امتد كذلك إلى دورية أمريكية أخرى هي "كونسيرفيتف" التي أكدت بدورها ما يقوم به القطريون في الإعلام الأمريكي، وكيف أن العديد ممن يطلق عليهم المحللون السياسيون على شبكة "سي إن إن"، وأولئك الذين يطلون بشكل شبه منتظم على الأمريكيين، ويحشون رؤوسهم بأفكار هم أول من يدرك أنها مغلوطة، ليسوا إلا طابورا خامسا لقطر، يعملون في سياقات بعيدة عن الأعين، ولهم صلات ومصالح مالية معها.
تكمن كارثة هذا الفريق الإعلامي، والذي يتجاوز السي إن إن إلى مجلات وصحف أخرى، بل يصل حتى لبعض أعرق الصحف الأمريكية مثل النيويورك تايمز، في أن اللغط الإعلامي والزيف الصحفي الذي تقدمه تلك الأبواق يترك بلا شك تأثيرا سلبيا على المشاهدين من عامة الأمريكيين، وليس سرا نذيعه أن الأمريكيين في مجملهم ليس لهم دالة على العمل الفكري المعمق، لا سيما السياسي منه بنوع خاص، ويعتمدون اعتمادا كليا في معرفتهم على ما تذيعه وتروجه شبكات الإعلام، حقا أو زورا وبهتانا.
هناك أربعة أسماء تدور في فلك النفوذ المالي القطري: "علي صوفان"، و"مهدي حسن"، و"جولييت كايم"، و"بيتر بيرغن"، هؤلاء قادرون على تغيير الصيف إلى شتاء، وتحويل الشتاء إلى صيف. والمعنى المجازي هنا يفيد بقدرتهم على التلاعب بعقلية المواطن الأمريكي، إلى الدرجة التي يتساءل فيها المشاهد ما إن كان يشاهد شاشة قناة الجزيرة بأكاذيبها التقليدية، أم إنه في مواجهة شاشة سي إن إن الأمريكية، التي تعرف بالعراقة والأصالة بوصفها أول قناة إخبارية عالمية متخصصة من قبل عقود.
يضع الباحث الأمريكي في شؤون الأمن القومي والسياسة الأمريكية "ديفيد ريبوي" الأمريكيين أمام حقيقة مؤكدة وهي أن الدوحة تسخر الكثير من الأموال لاستقطاب أفراد ووسائل إعلام أمريكية لاستغلالهم في شن حملات مشبوهة وعمليات قرصنة، ضد شخصيات معارضة لسياسات قطر، بغرض إسكات أصواتهم.
وبحسب ريبوي أيضا فقد انساقت وسائل الإعلام المناهضة للرئيس ترامب مع أجندة قطر، لا سيما وأن إنفاق قطر لمبالغ طائلة إنما يأتي من أجل التعتيم إعلاميا على ممارستها، وبخاصة فتح أبوابها أمام تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، ومحاولة قلب الرأي العام الأمريكي لصالح النظام القطري.
المؤكد كذلك أن قطر لا تتوقف عند السعي الحثيث لشراء أصوات الإعلاميين، بل إنها تسخر جهودا كبيرة لشراء أصوات شركات العلاقات العامة، وهؤلاء بدورهم عادة ما يكونون رأس الحرب المتقدمة وأحصنة طروادة للوصول إلى أعضاء الكونجرس بغرفتيه، النواب والشيوخ، ومن يصل إلى هناك يكون شديد القرب من المطبخ السياسي الأمريكي، حيث تتم عملية صنع القرارات، وتعقد الصفقات، وربما تحدد مصائر العالم اعتبارا من أن أمريكا لا تزال روما العصر مالئة الدنيا وشاغلة الناس.
لا ينبغي الاكتفاء بإدانة المواقف الإعلامية الأمريكية المدفوعة بأموال قطر، بل يتطلب الأمر استراتيجية إعلامية سياسية عربية مضادة. فمن المعروف في الولايات المتحدة أن الدول لابد وأن تسعى وتبادر إلى رسم صورتها في الداخل الأمريكي بالشكل الذي ترغب به، وإلا سيتم رسم صورة أخرى لا تعبر بالضرورة عن حقيقة هذه الدولة المعنية ولا تصب في الغالب في مصلحتها.
الخلاصة هي أن طرح القضايا الجوهرية يبدأ من عند الذات وليس من عند الآخرين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة