يعلم الأمريكيون وبقية سكان منطقة الخليج العربي أن إيران تنتوي شرا كبيرا للجميع، خاصة بعد توقيع الفصل الثاني من العقوبات الأمريكية.
لم تترك إيران مجالاً للتعاطي السياسي الخلاق، لاسيما في ظل سياستها المستمرة والمستقرة في طريق تهديد أمن وسلام العالم بشكل عام، والشرق الأوسط والخليج العربي بصورة خاصة.
ترفض إيران الانصياع للمجتمع الدولي، وعوضاً عن تصويب مسارها نراها تتمادى في العماية وضروب الغواية، ولا يخرج من ألسنة قادتها وعسكرييها سوى التهديدات العلنية تارة، والخفية تارة أخرى، وما بين هذه وتلك يبقى العالم في مواجهة شرسة قادمة لاريب، الأمر الذي يستدعي تفكيراً استباقياً، يتجاوز خطط الملالي لنشر العنف والإرهاب حول العالم.
قطر الآن قاب قوسين أو أدنى من أزمة بنوية هيكلية كبرى يمكن لها أن تعصف بها، فهي الصديق والحليف الأوثق والألصق لطهران، لكنها تجد نفسها أمام إرادة أمريكية لإنشاء تحالف يواجه حليفها
في هذا الإطار الاستراتيجي يجيء الحديث عن تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي "ميسا"، الذي تزخمه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإرادة قوية لا تهن ولا تلين لمواجهة حالة التمرد الإيراني في الحال والاستقبال.
في كلمته من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة كان الرئيس ترامب يشير إلى أنه حان الوقت لتتوقف إيران عن سعيها الدؤوب لتعكير صفو السلم الدولي، وتهديد مصالحها الاستراتيجية في منطقة الخليج العربي بنوع متميز، الأمر الذي حدث بالفعل في البصرة مؤخراً، ودعا الولايات المتحدة الأمريكية لإغلاق قنصليتها هناك قبل بضعة أيام.
يعلم الأمريكيون وبقية سكان منطقة الخليج العربي أن إيران تنتوي شراً كبيراً للجميع، خاصة بعد توقيع الفصل الثاني من العقوبات الأمريكية في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتهديدات الحرس الثوري الإيراني واضحة لا تقبل الشك، وربما ستكون العراق أول خلفية لوجستية توجه من خلالها أعمال الانتقام الإيرانية، وفي القلب منها الأهداف الأمريكية حجراً وبشراً.
خطط إيران الشريرة لن تتوقف عند الأمريكيين، بل ستمتد إلى بقية دول المنطقة، خليجياً وعربياً، ونواياها السيئة للإقليم برمته واضحة بدءاً من مضيق هرمز، وصولاً إلى قناة السويس، ومروراً بباب المندب، حيث وكلاؤها من الحوثيين قابعون هناك، ضاغطون على زناد أسلحتهم انتظاراً لإشارة قاسم سليماني.
ذات مرة من العام 2008، وحين كان الجنرال "دافيد بتريوس" قائداً للقوات الأمريكية في العراق، تلقى خطاباً من قاسم سليمان رأس الشر الإيراني في المنطقة، رجل الحرس وقوة القدس، يخبره فيه بأنه هو المسؤول في العراق، وليس العراق فحسب بل إنه القائم على شأن كل ما يجري في سوريا واليمن، ولبنان، وغزة وأفغانستان، وأن لا شيء يجري هناك إلا بمباركة إيرانية.
والشاهد أنه لم يكن للمجتمع الدولي، ولا العالم العربي أن يقف مكتوف الأيدي أمام الأعمال الإيرانية سواء في الماضي أو المستقبل القريب منه تحديداً، ومن هنا يجيء الحديث عن تحالف الـ"ميسا" في مواجهة إيران.. فماذا عن ذلك؟
أطلق البعض جوازاً على التحالف المرتقب لقب "الناتو" العربي، وهي تسمية في واقع الحال لا تستقيم لأسباب كثر جلها جغرافي وديموغرافي، عطفاً على اختلاف الدوافع لقيام ونشوء الـ"ميسا" عن تلك التي جعلت الناتو المكافئ الموضوعي لحلف وارسو.
على أنه مهما يكن من أمر التسميات فإن الهدف النهائي هو ما يهم بالدرجة الأكبر، وهو "التصدي للعدوان الإيراني والإرهاب والتطرف وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط".
حلف الـ"ميسا" المرتقب مكون من دول مجلس التعاون الخليجي الست، إضافة إلى مصر والأردن والولايات المتحدة الأمريكية، هذا مبدئياً، وإن كان البعض في واشنطن يشير إلى احتمالية لإضافة شركاء آخرين سواء من دول آسيا الشرقية، أو من الشرق الأوسط.
هناك ملاحظات أولية تخص الـ"ميسا"، وأولاها، غياب إسرائيل من هذا التجمع أو التحالف، ولعل الأمر هنا واضح ومفهوم وبه رجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر للعديد من المشاهد الأمريكية السابقة التي ألجمت فيها تل أبيب وأجبرتها على البقاء بعيداً عن أرض المعركة، كما الحال في معركة تحرير الكويت عام 1991م، وحتى لا تجد طهران نفسها أمام شعارات جوفاء ممجوجة تقليدية عن عداء الصهيونية، وهي التي لم تطلق عليها رصاصة واحدة طوال أربعة عقود هي عمر ثورة الخميني العقائدية غير المباركة.
يتفهم المرء الموقف بالنسبة لإسرائيل أمام المفارقة الكبرى فتتعلق بقطر، والتي تجد نفسها في ورطة حقيقية تجاه "إيران الشريفة" على حد تسمية المندوب القطري، في جامعة الدول العربية لها في اجتماع قبل فترة.
قطر الآن قاب قوسين أو أدنى من أزمة بنوية هيكلية كبرى يمكن لها أن تعصف بها، فهي الصديق والحليف الأوثق والألصق لطهران، لكنها تجد نفسها أمام إرادة أمريكية لإنشاء تحالف يواجه حليفها، وعليه يبقى السؤال المحوري: إلى جانب من سوف تصطف قطر؟ إلى جانب إيران التي تعتمد عليها في بقائها ومكايداتها السياسية تجاه أشقائها في الخليج ومصر تحديداً؟ أم إلى الولايات المتحدة، الفاعل الحقيقي على أراضيها بقوة الحضور العسكري هناك في قواعدها، والتي ارتفعت أصوات الأمريكيين كذلك بالرحيل عنها، سيما وأن هناك بدائل كثر في المنطقة يمكنها أن تحل محلها، وتعطي مردودات إيجابية بأكثر منها؟
الخيار استراتيجي وحاسم، وعلى قطر أن تسرع في الجواب، وهي تعلم أن الفخ الكائن أمامها واسع، والهوة مهلكة، ذلك أن تحالف الـ"ميسا" في صلب أعماله تأتي مسألة مواجهة الإرهاب، طاعون القرن الحادي والعشرين، وهي التي تدعمه وتزخمه عبر التدفقات المالية غير المحسوبة العواقب من جهة، وتصر على استضافة رؤوس الشر والفتنة من القيادات الأصولية، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية من جهة أخرى.
عقب نهاية الاجتماع الذي شارك فيه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وعدد من وزراء الخارجية العرب نهار الجمعة الفائت في نيويورك، وصف وزراء الأردن والإمارات والبحرين الاجتماع بالـ"جيد جداً"، أما وزير خارجية قطر فأطلق عليه تعبير "المثمر إلى حدٍّ ما"، ما يعني أنه اجتماع لا يمضي في اتجاه الرياح الدبلوماسية، والسياسية القطرية، ويُشتم منه مقدار المأزق القطري، وكيف أن التلاعب على المتناقضات قادها إلى الهوة السحيقة التي تعيشها الآن.
ماذا ستفعل إيران والدائرة تضيق عليها وعلى وحلفائها في المنطقة، أو بمعنى أدق وكلائها وعملائها؟
الشاهد أنه ليس أمامها سوى خيار من اثنين لا ثالث لهما:
الأول: هو الرضوخ لإرادة المجتمع الدولي، والدخول في مفاوضات جديدة تصل إلى اتفاق حقيقي يلزمها بوقف برنامجها النووي مرة وإلى الأبد، وتعهد رسمي أممي بإنهاء رباطاتها وعلاقاتها بجميع القوى التي تعمل لحسابها في العالم العربي كالحوثيين وحزب الله وحماس، والحشد الشعبي، وبقية تلك الجماعات الظلامية.
الثاني: هو معاندة رياح السلم الأممية والمضي في اتجاه المزيد من الاعتداءات والتهديدات والعمليات الإرهابية ما يتتبعه بالضرورة مواجهات عسكرية قد تصل إلى الحرب المفتوحة.
الخيار الأول يعني نهاية مشروع الملالي لاسيما في عيون الشعب الإيراني أو البقية المخدوعة بالشعارات الكاذبة، ويدعم فكرة إسقاط الملالي لفساد مشروعهم في الأصل.
أما الخيار الثاني فسيؤدي إلى إسقاط الملالي كذلك عطفاً على تدمير إيران لعقود طويلة مقبلة.
الخلاصة.. لإيران وقطر: الإرهاب لا يفيد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة