قضية حفيد البنا.. أموال قطر للدفاع عن الاغتصاب بأوروبا
كيف لمحام لم يتردد في العديد من المناسبات، في مهاجمة الإسلام ووصفه بأشنع النعوت، أن يقبل بالدفاع عمن يصف نفسه بـ"مفكر إسلامي"؟
كيف يمكن لطارق رمضان، حفيد مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية حسن البنا، الذي لطالما أكد أن مصدر دخله الوحيد يقتصر على راتبه من جامعة "آكسفورد" البريطانية، دفع تكاليف المحامي السويسري الشهير مارك بونان للدفاع عنه في قضايا "الاغتصاب والتحرش الجنسي" وغيرها الموجهة إليه؟
ثم كيف لمحام لم يتردد في العديد من المناسبات في مهاجمة الإسلام ووصفه بأشنع النعوت، أن يقبل بالدفاع عمن يصف نفسه بـ"مفكر إسلامي"؟
- حفيد البنا.. تحقيقات سرية بجامعة أكسفورد ضد "الأستاذ المتحرش"
- حفيد البنا يستقوي بـ"جماعته" لمواجهة فضيحة الاغتصاب
شبح قطر في ردهة الأحداث
تساؤلات دفعت الإعلام الغربي إلى التحقيق في مفارقات سرعان ما كشفت عن وجود نقطة تقاطع مهمة تشير إلى أن الأموال التي تضخها قطر هي التي جعلت حفيد مؤسس الإخوان الإرهابية يحظى بدفاع أشهر محامي جنيف السويسرية، وهي التي أغرت الأخير بالتغاضي مؤقتاً عن موقفه العدائي من الإسلام ريثما يحسم قضية موكله.
دعم مالي حرصت الدوحة هذه المرة على تقديمه نقداً في شكل تبرعات تجمعها عائلات قطرية مرموقة، ضماناً لعدم ترك أي أثر يمكن أن يوظف ضدها، ويشكل بالتالي دليلاً إضافياً للدول المقاطعة لها، منذ يونيو/حزيران الماضي، لدعمها الإرهاب.
فمع أن رمضان لا ينتمي عضوياً للإخوان، إلا أن العديد من المؤلفات والدراسات التحليلية أكدت أنه يشكل أحد فروع الجماعة في أوروبا، وإحدى رؤوسها الناشطة في إطار هيكلة جديدة للجماعة تقوم على تشكيل مجموعات صغيرة تكون منفصلة عضوياً عن المركز لكنها مرتبطة به روحياً.
صحيفة «لو بوان» الفرنسية التي تناولت ملف رمضان من جميع زواياه تقريباً، نقلت عن مسؤول قطري رفيع- فضل عدم نشر هويته- ومقدماً نفسه على أنه محافظ ويحترم الدين ولكنه مناهض للإخوان المسلمين، قوله إن «المساعدات لا تقدمها السلطات القطرية نفسها، وإنما يحصل عليها رمضان في شكل تبرعات تجمعها عائلات ميسورة ومعروفة في قطر، وتكون في شكل نقدي يضمن عدم ترك أي أثر» من شأنه أن يثبت وجود دعم قطري لرمضان.
الفرنسي إيمانويل رضوي الذي عمل لـ 3 أعوام في التلفزيون القطري، وهو أيضاً مؤلف كتابي «الإخوان المسلمون في ظل القاعدة»، و«قطر: حقائق محظورة: إمارة على حافة الانهيار»، قال في كتابه الأخير الصادر مؤخراً، إنه التقى طارق رمضان في الدوحة، وخصوصاً في مطاعم سوق الواقف بالدوحة».
وأضاف أن رمضان «كان الوصي على الشيخة موزة زوجة أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني ووالدة الأمير الحالي تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، كما أنه يتمتع هناك (في قطر) بهالة كبيرة، حيث يعتبر مفكراً».
وتابع الصحفي الفرنسي أن الشيخة موزة هي من أيدت إنشاء مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق الذي يديره رمضان منذ 2012.
أموال قطرية يقول مطلعون إنها تأتي في إطار «لا مركزية المصادر» لتمويل جماعة الإخوان المسلمين، والتي تتبناها قطر في الأعوام الأخيرة لكسر الهيكل الهرمي الذي لطالما كانت تديره شخصيات مستقرة بالعاصمة المصرية القاهرة، وفق رضوي.
الصحفي الفرنسي أشار في كتابه إلى أن قطر توجهت نحو مقاربة جديدة تعتمد على تيار فكري وميداني، لكن دون هيكل مركزي، لافتاً إلى أن «جاسم سلطان (باحث وأكاديمي قطري) يقوم في منتهى السرية بتشكيل مجموعات صغيرة من الشباب المنتمين للنخبة الإسلامية» خارج البلاد وخصوصاً في أوروبا.
وبعودة هؤلاء الشباب إلى بلدانهم، ينضمون إلى المنظمات والمؤسسات والجمعيات، ضمن نهج يعتمد الاختراق والتمكن ثم التحكم.
هيكلة جديدة حتمتها تحولات الأوضاع في العالم، وترمي إلى تخليص الجماعة من هيكلة عنكبوتية يمكن أن تلحقها أضرار جمة لدى تعرضها لأي هزة كما حصل في مصر، وبناء هيكلة أخطبوطية تمنح فروع الجماعة القدرة على النمو من جديد كلما تم قطعها.
وطارق رمضان يشكل فرعاً مرتبطاً بالجماعة في أوروبا رغم عدم انتمائه له، بحسب الكاتب الفرنسي.
بونان.. مفارقة الأيديولوجيا والواقع
لم يفوت مارك بونان، النقيب السابق لمحامي جنيف، أي فرصة لمهاجمة الإسلام قبل أن يصعّد من موقفه تجاه هذا الدين ويدعو إلى اعتباره «عدوا لدودا».
مواقف ودعوات منحت أوروبا بأكملها قناعة بأن المحامي الشهير يناصب الإسلام عداء كفيلاً بجعله يرفض الدفاع عن أي شخصية تنتمي لهذا الدين، خصوصاً عقب الهجمات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس في 2015.
لكن هذا العداء السافر لم يمنعه- في مفارقة لافتة- من قبول الدفاع عن المفكر الإسلامي طارق رمضان، المتهم رسمياً بـ"الاغتصاب والتحرش الجنسي والتهديد بالقتل» من قبل سيدتين فرنسيتين.
اتهامات فجرت سيلاً من الغضب في الأوساط الفرنسية والسويسرية والعالمية، لتخلق موجة تضامن شجعت العديد من النساء الأخريات على التحدث عن تعرضهن للاغتصاب والتحرش الجنسي من قبل رمضان حين كن طالبات مراهقات بمدرسة ثانوية في جنيف بين سنوات 1980 و1990، حيث كان رمضان يعمل مدرس لغة فرنسية.
شهادات دامغة نشرتها صحف «لا تريبين دو جنيف» و«لو تون»، ثم «ماتان ديمانش» السويسرية، لتفجر فضيحة من العيار الثقيل، تضامناً مع السيدتين الفرنسيتين، استعرضت تفاصيل التقت جميعها عند حقيقة أن رمضان كان يستثمر سلطته المعنوية على طالباته المراهقات، ليعدهن بالزواج بعد طلاقه، قبل أن يبدأ رحلة التحرش بهن ثم اغتصابهن.
حيثيات صادمة وفق الإعلام الغربي، غير أنها لم تكن أكثر غرابة من قبول المحامي الشهير الدفاع عن طارق رمضان، والأكثر من ذلك، وفي حال التعامل مع المسألة على أن القبول نابع من مبدأ القيام بواجب مهني لا علاقة له بالمواقف والمعتقدات الشخصية، فإن السؤال الذي يحير الأوساط السويسرية والفرنسية والدولية عموماً، هو كيف لرمضان أن يدفع تكاليف محامٍ بشهرة بونان؟
انتخب بونان أفضل متحدث فرانكفوني (ناطق بالفرنسية) في تظاهرة «ليلة البلاغة» لعام 2016، ويعتبر من أشهر محامي جنيف، كما أن جل القضايا التي يترافع فيها تشمل شخصيات بارزة، بينها ملفات متعلقة بإيران، والزوجة السابقة للملياردير الروسي الفرنسي دميتري ربولوفليف، وابنة المدير السابق لشركة صناعة السيارات «فيات» الإيطالية، ما يعني أن خدماته تستدعي ثروة في المقابل.
ناصر الخليفي وطارق رمضان.. ملفان بيد بونان
منذ أكتوبر/تشرين أول الماضي، يدافع المحامي السويسري عن مصالح ناصر الخليفي، الرئيس القطري لنادي باريس سان جيرمان الفرنسي، المتهم بـ «الفساد».
وبقبوله الدفاع في ملف رمضان، أضحت المسألة من بين نقاط الاستفهام الحارقة في الإعلام الغربي، وهو ما رد عليه بونان بالقول في مقابلة مع صحيفة «لو بوان» الفرنسية، إن الأمر «مجرد صدفة لا غير».
واعتبر في تصريح إعلامي، أنه لا يدافع عن رجل دين، وإنما عن رجل يتهمه البعض بسلوك غير مقبول».
وتتضمن التهمة التي يوجهها القضاء السويسري للخليفي تقديمه ساعة ثمينة من نوع «كارتير» الشهيرة، تتراوح قيمتها من 10 إلى 20 ألف يورو لصالح جيروم فالكه الذي كان يعمل- حينها- أميناً عاماً للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا».
كما يواجه الخليفي أيضاً شبهة وضعه فيلا فاخرة في جزيرة سردينيا الإيطالية تحت تصرف فالكه بغرض تسهيل مهمة الشبكة التلفزيونية القطرية في الحصول على حقوق بث مباريات نهائيات مونديال 2026 و2030 عن منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وبتسلم بونان ملف القضية للدفاع عن الخليفي، لم يثر الأمر الكثير من الاستغراب، فالمعروف أن الأخير يعتبر من المقربين من أمير قطر، علاوة على كونه رجل أعمال يمتلك من الأموال ما يسمح له بالحصول على خدمات محامٍ مثل بونان، لكن الأمر بدا مختلفاً للغاية بالنسبة لرمضان.
محللون يرون أن مساعي قطر، وإن كانت تجري في شكل غير رسمي، ترمي في الوقت الراهن إلى إخراج رمضان من ورطته بأخف الأضرار، ليقينها الراسخ بأن القضية المتفجرة حالياً ستكون لها ارتدادات وخيمة على بقية المجموعات المنتشرة في القارة الأوروبية والمرتبطة بالإخوان.
إلا أن قدرات المحامي البارع التي قد تفلح في إغلاق ملف القضية في انتظار أدلة أخرى، بما أن الشهادات الطبية التي قدمتها السيدتان اللتان قدمتا شكوتين رسميتين قد لا تكفيان وحدهما لإدانة رمضان، من شأنه أن يقلص من حدة تداعيات القضية على الإخوان ومن ثمّة على قطر، وإن كان بشكل غير مباشر.
هدف محوري بالنسبة للدوحة التي ستعمل- بلا شك- إثر إخماد فتيل فضيحة رمضان، على إقصائه تدريجياً من موقعه كواعظ ينشط بشكل مباشر ويتواصل من خلال وسائل الإعلام أو المحاضرات التي يعقدها أو حتى من خلاله طلابه بجامعة أكسفورد التي من الصعب أن يستأنف عمله فيها، لتحيله على تقاعد إجباري يخفيه تماماً بشكل تدريجي من المشهد.