مؤخراً دخلت قطر على خط محاولة إنقاذ حلفائها الذين يعانون من أزمات اقتصادية، كإيران وتركيا، فضخت مليارات الدولارات في اقتصاد البلدين.
بغض النظر عما يروج له الإعلام القطري من قدرة الدوحة على مواجهة المقاطعة الخليجية والعربية لها والتي دخلت عامها الثاني، إلا أن المؤشرات الاقتصادية الصادرة عن المنظمات الدولية، بل وحتى تلك الصادرة عن بعض المؤسسات القطرية، كشركة الطيران تشير إلى غير ذلك تماما، فالاقتصاد القطري يستنزف عملياً والمؤشرات المالية والمصرفية تتراجع إلى مستويات متدنية، وهو ما يعكس حقيقة مكانة هذه المؤسسات في الاقتصاد القطري.
قطر ما زالت تملك أرصدة مالية ونقدية كبيرة في الخارج، إلا أن هذه الأرصدة تتآكل شيئاً فشيئاً وربما تستنفد إذا استمرت الأزمة للسنوات الثلاث القادمة وربما قبل ذلك، فحجم الاقتصاد القطري صغير مقارنة بحجم الاقتصادات التي تحاول قطر إنقاذها
ولنبدأ بتقييم وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد أند بورز»، التي أبقت الشهر الماضي نظرتها السلبية لمستقبل الاقتصاد القطري، وذلك بسبب الاستمرار في استخدام الأصول المالية الخارجية الضخمة لتخفيف أثر المقاطعة، علماً بأن وكالة «موديز» خفضت في نفس الوقت تصنيف كل من البنك التجاري القطري وبنك الدوحة. وتشمل عملية الاستنزاف تراجع ودائع العملاء غير المقيمين والتي انخفضت بنسبة كبيرة بلغت 24% منذ بداية المقاطعة، ما أدى إلى أن فقد المصارف القطرية 40% من التمويلات الأجنبية، وفق صندوق النقد الدولي، كما تراجعت الاحتياطات الاجنبية للمصرف المركزي بنسبة 17% في نفس الفترة.
أما على مستوى الشركات القطرية المساهمة والخاصة، والتي تُشكل مكوناً مهماً من مكونات الاقتصاد القطري، فقد انخفضت على سبيل المثال الأرباح الصافية لشركة الاتصالات «أوريدو» بنسبة 60% في الربع الثاني من العام الجاري، في حين ارتفعت خسائر «بنك قطر الأول» بنسبة 461% لتصل إلى 354 مليون ريال، وفي الوقت نفسه ارتفعت الخسائر الصافية لشركة «السلام العالمية للاستثمار» القطرية بنسبة 73% في الربع الثاني من عام 2018 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
هذه مجرد أمثلة مختصرة لما يعانيه الاقتصاد القطري والشركات المساهمة العامة والخاصة من استنزاف وتدهور في مؤشرات أدائها منذ المقاطعة التي بدأت في شهر يونيو من عام 2017 يضاف إليها عمليات استنزاف أخرى لا تقل خطورة على مستقبل الاقتصاد القطري تتمثل في ارتفاع كلفة الواردات والتضخم وهروب رؤوس الأموال والإنفاق العسكري الهائل والناجم ليس عن احتياجات أمنية وعسكرية ضرورية، وإنما لإرضاء الشركاء الآخرين والعديد من الدول، إما لاتخاذ مواقف مؤيدة لقطر في نزاعها مع جيرانها، وإما لاتخاذ مواقف محايدة على أقل تقدير.
ومنذ الأزمة وقّعت قطر اتفاقيات لشراء أسلحة ومعدات عسكرية بأكثر من 55 مليار دولار، هذا عدا تحمل التكاليف الباهظة لوجود عشرات الآلاف من القوات الأجنبية التي استقدمت لقطر من الخارج بعد المقاطعة، حيث تبلغ تكاليف الجندي الواحد أكثر من تسعة آلاف دولار شهرياً، بالإضافة إلى الخدمات والمرافق الأخرى التي يتطلبها وجود هذا العدد الكبير من القوات الأجنبية.
وبجانب ذلك، هناك الاستنزاف الناجم عن تمويل الحملات الإعلامية ومحاولة كسب مؤيدين للمواقف القطرية في الخارج والترويج للحملات الإعلامية المعادية لدول المقاطعة وخلق حسابات وهمية، فبعد وقف «تويتر» لملايين الحسابات الوهمية مؤخراً، انخفض متابعو أمير قطر بأكثر من مليوني متابع، ما شكّل فضيحة أثبتت حقيقة هذه الحسابات ومن يقف وراءها.
مؤخراً دخلت قطر على خط محاولة إنقاذ حلفائها الذين يعانون من أزمات اقتصادية، كإيران وتركيا، فضخت مليارات الدولارات في اقتصادي البلدين بصورة مباشرة وغير مباشرة، والتي كان آخرها الأسبوع الماضي عندما أعلنت تقديم 15 مليار دولار لوقف تدهور الليرة التركية، ما وضعها في موقف متعارض لحليفتها الأساسية، أي الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها ترامب، الذي يخوض معركة لي ذراع مع تركيا.
والحال، فإن قطر ما زالت تملك أرصدة مالية ونقدية كبيرة في الخارج، إلا أن هذه الأرصدة تتآكل شيئاً فشيئاً وربما تستنفد إذا استمرت الأزمة للسنوات الثلاث القادمة وربما قبل ذلك، فحجم الاقتصاد القطري صغير مقارنة بحجم الاقتصادات التي تحاول قطر إنقاذها، كما أن استمرار الإنفاق العسكري الضخم ووجود قواعد لعدد من البلدان المتناقضة في توجهاتها، والتمويل الإعلامي، وارتفاع أسعار الواردات، وتدهور أداء المؤسسات المالية والمصرفية والأصول الخارجية، جميعها تشكل تحديات حقيقية ستزيد من معاناة الاقتصاد القطري في الفترة القادمة.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة