قطر تدير أزمتها الحالية مع الدول العربية المقاطعة من منطق أنها دولة كبرى في الإقليم وليست دولة صغيرة بحسابات القوة الشاملة، بصرف النظر عن امتلاكها لمصادرها المعروفة
تدير قطر أزمتها الحالية مع الدول العربية المقاطعة من منطق أنها دولة كبرى في الإقليم وليست دولة صغيرة بحسابات القوة الشاملة، بصرف النظر عن امتلاكها لمصادرها المعروفة، والتي كرستها لبناء نموذج تدخلي في كل الأزمات والصراعات في العالم لتأكيد دورها في المنطقة وخارجها، وقد كشفت الممارسات القطرية الراهنة ومحاولات التعامل مع الأزمة الحالية عن توجه مشابه لما قامت وتقوم به إسرائيل في محيطها العربي باعتبارها دولة كبرى أيضا في نطاقها الراهن، وفي ظل استمرار احتلالها للأراضي العربية ورفضها كل الفرص المتاحة لبدء مسيرة سلمية جادة، وبالمنطق نفسه تتحرك قطر في تسويق نموذجها في الإعلام الخارجي الذي تعاملت معه وفق خطة محكمة وضع أسسها خبراء واستشاريون من إدارات أمريكية سابقة، وعدد من الشخصيات البريطانية من وزارة الخارجية ونواب سابقون في مجلس العموم، وفريق من خبراء التفاوض في الخارجية الإيرانية، وغيرهم- بهدف تحويل الأزمة من منطقها السياسي الأمني لأزمة إنسانية، وأن قطر دولة صغيرة وسط محيط عربي كبير يريد أن ينهي التجربة القطرية الرائدة في الإعلام والسياسة والتنمية والاستثمار، مثلما حاولت إسرائيل في بعض الأوقات التسويق لخرافة تدمير إسرائيل وإزالتها من الوجود رغم امتلاكها للسلاح النووي الذي لم تستخدمه في أي مواجهة ولن تستخدمه باعتباره الملاذ الأخير والخيار شمشون، وهكذا تفعل قطر التي تريد وضع الشروط والمتطلبات، لكي نقبل بها من جديد ونقيم معها علاقات على مستوى الندية، ووضعت الخطوط الحمراء التي لا يمكن التخلي عنها وهو أمر سيدخلنا في متاهات التوصل لاتفاق ناجز مع قطر التي تتأهب لكل الخيارات والسيناريوهات السياسية والدفاعية والاستراتيجية مع محاولة الاستقواء بقوى إقليمية عابثة تسعى للحصول على مكاسبها مباشرة واستثمار أجواء لن تتكرر وفي إطار انتهازية سياسية واضحة، ومن ثم فإن الجانب القطري يحتذي بالنموذج الإسرائيلي اللافت في اتباع المراوغات السياسية والاستراتيجية مع العمل على إطالة أمد الأزمة لأطول مدة ممكنة من أجل تحقيق ما تسعى إليه وإحداث شرخ في مواقف الدول العربية المقاطعة مع تطويق كل المحاولات التي قد تدفعها لتقديم أية تنازلات من أي نوع بل هي تطالب الدول المقاطعة بتقديم الأدلة والبراهين على ما تمت مخاطبة الجانب القطري به من ملابسات واتهامات، وهو ما يجري أيضا مع الحالة الإسرائيلية التي تدعي عدم احتلالها لقطاع غزة، ومع ذلك تقبل بدور قطري مشبوه في تثبيت الهدنة، واستمرار أمدها لأطول مدة معينة، كما تقوم بنقل يهود اليمين إلى إسرائيل ويلتقي سفيرها رئيس لجنة إعمار قطاع غزة السفير محمد العمادي لقاءات معلنة مع المسؤولين الإسرائيليين، ومع ذلك تتحدث قطر عن خيارات الوساطة وتوفيق السياسات بين حركتي فتح وحماس مثلما كانت تدعي إسرائيل بأنها تريد السلام والاستقرار في المنطقة، وأن تدخل في خيارات الحل الإقليمي، وأن هناك ما يجمع الجانبين العرب وإسرائيل وفقا للمصالح المشتركة ومواجهة التحديات والمخاطر والأزمات الجديدة والتي لن تتوقف عند ظاهرة مواجهة الإرهاب فقط.
الممارسات القطرية الراهنة ومحاولات التعامل مع الأزمة الحالية مشابهة لما قامت وتقوم به إسرائيل في محيطها العربي باعتبارها دولة كبرى أيضا في نطاقها الراهن
المنطق القطري نفسه في التأكيد على خياراتها الإقليمية الجديدة، وبناء محور قطري إيراني تركي وتنظيمات المقاومة في مواجهة ما يخطط لمواجهة قطر مع التأكيد على أنها مستمرة في نهجها السياسي، ولن تتراجع عنه وهو ما سيثير إشكالية استمرار وجودها في مؤسسات العمل العربي المشترك سواء في مجلس التعاون الخليجي أو منظمات الجامعة العربية، ولهذا فإن قطر -وعبر خبراء إدارة الأزمة- تعمل من منطلق أن مواجهتها مستمرة لمدة طويلة وأن تكلفة المواجهة الاقتصادية لن تردعها في ظل البحث عن البديل ولو كان مكلفا وهو ما بدأته قطر استقواء بمواقف بعض الدول وعلى رأسها إيران وتركيا، ومن ثم فإن قطر ومن واقع دراسة خبرات النموذج الإسرائيلي فإنها قادرة على إعادة تدوير حساباتها ومواقفها مع الدخول في شراكات جديدة وتدعيم الشراكات القديمة والبناء عليها، وهو ما سيدفع بالجانب القطري لتصعيد مواقفه وكلما صعد الجانب القطري حقق بعض أهدافه في إدارة الأزمة التي تدار بتكتيك تسهم فيه تركيا وإيران من وراء الستار حتى الآن.
إن النموذج الإسرائيلي الذي تستلهم قطر أبعاده جيدا سيظل هو الملهم الأول والأخير للمسؤولين القطريين الذين درسوا جيدا كيفية التعامل مع مطالب تسليم بعض الأسماء المتهمة بدعم شبكات الإرهاب وتمويل بعض التنظيمات والكيانات الإرهابية والضلوع بالقيام بعمليات تأليب الأوضاع المستقرة في عدد من الدول العربية المقاطعة، وهو نفس ما اتبعته إسرائيل في المراوغة بغلق ملف المطالبة بمحاكمات بعض قادة حروب غزة الأخيرة بل نجحت في تهريب عدد من المسؤولين الإسرائيليين الذين كانوا مطلوبين أمام القضاء الدولي، ولعل واقعة تهريب إيهود باراك وتسبي ليفني وشاؤول موفاز دليلا على هذا، وهو ما يتشبه به القطريون الذين يعلمون أن هناك قوائم كاملة تضم أسماء قطرية بارزة متورطة للقيام بأعمال إرهابية في عدد من الدول العربية، ومعرفون بالاسم وأن المطلوب بالفعل تسليم بعضهم لمحاكمته أمام التنظيم الدولي.
وإذا كانت عصابات الأرجون وشترين وهاجناه هي التي أسهمت في إنشاء إسرائيل وإقامة كيانهم على أرض عربية، فإن هذه التنظيمات اليهودية هي التي وضعت أسس الإرهاب اليهودي في المنطقة منذ سنوات طويلة، فإن قطر هي التي دعمت ومولت عشرات التنظيمات الإرهابية في المنطقة، والتي نشأت في السنوات العشر الأخيرة بل قبلها بكثير، وسعت للسطو على سيادة الدولة الوطنية مثلما فعلت إسرائيل سلفا عندما هجرت الشعب الفلسطيني من أرضه، وأقامت دولة إسرائيل.
من الواضح إذن أن قطر استلهمت بالفعل التجربة الإسرائيلية، ودرست خبراتها جيدا وتتعامل في الوقت الراهن مع خلاصة عناصرها، وهو ما يستوجب ردا عربيا مدروسا ومباشرا للوقوف أمام المخطط القطري التركي الإيراني، وهذا ما بدأ بالفعل بالتحرك المصري الخليجي صوب مجلس الأمن لندخل المرحلة التالية من سيناريو مواجهة قطر، ولننتظر لنرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة