قطر أبرمت العام الماضي فقط عقوداً بقيمة تفوق 40 مليار دولار أميركي لشراء سلاح لا نعلم أساساً لماذا تحتاجه؟
يبدو أن الدبلوماسية الدولية التي يعتمدها العالم، لا تناسب التجار الجدد.
لا قواعدها ولا مبادئها ولا الالتزام بها وبالقوانين الدولية التي تحكمها تهمهم.
تغيّرت العملات في بورصات المصالح، لتتحول إلى دم وسلاح.
خير دليل على سوء النية هو لماذا لا تساعد الدوحة الآن بمبالغ تعادل أو تقارب ما "استثمرته" في السلاح والدمار، لإعادة البناء أو الأخذ بيد شعوب هذه الدول ومساعدتهم في تجاوز أزماتهم التي كانت اللاعب الرئيسي فيها؟
قطر أبرمت العام الماضي فقط عقوداً بقيمة تفوق 40 مليار دولار أميركي؛ لشراء سلاح لا نعلم أساساً لماذا تحتاجه؟ ولا يجيد قطري استعماله (حتى بعد تدريبات شاقة في دول غربية-أحرجوا حكومتهم وخذلوها)، فلماذا هذه الصفقات؟
الاحتمال الأرجح هنا هو أن الصفقة في حد ذاتها غلاف وثمن لمواقف سياسية سواء لشراء التأييد، أو لشراء السكوت عن الانتهاكات الدولية التي تقوم بها منذ سنوات، بدأتها بإثارة الشعوب التي اعتقدت ومازالت ترى أنها تحركت لوحدها.
وأججت ما نفثته من لهب لتحرق دول المنطقة وتغرقها في الدماء.
استغلت الأوضاع الاجتماعية لشعوب تتخبط بين مشاكل البطالة وغلاء المعيشة والسكن.
وأخرى ينقصها الوعي والتعليم لتزرع بينهم أحلام الخروج من الواقع دون تحديد مسار أو نهاية لنفق ليته كان مظلما فحسب، بل محفوفاً بالمخاطر.
وخير دليل على سوء النية هو لماذا لا تساعد الدوحة الآن بمبالغ تعادل أو تقارب ما "استثمرته" في السلاح والدمار، لإعادة البناء أو الأخذ بيد شعوب هذه الدول، ومساعدتهم في تجاوز أزماتهم التي كانت اللاعب الرئيسي فيها.
قطر تريد أن تبقى هذه الشعوب منهارة، بلدانها مدمرة ليسهل بيعها وشراؤها إيديولوجيا وقتما تشاء.
منذ بداية "الثورة "في تونس وعندما انتبهت النخبة الواعية للأيادي القطرية في الموضوع، صرخوا بأصوات عالية أن خذي أموالك وارحلي، لا نريد لقطر وجوداً في تونس لكن الإخوانجية وبأسماء نعرفها جيداً متمسكون بالمال والدعم القطري لأنهم يعلمون أنهم لو قطعوه عنهم ستكون نهايتهم.
وهنا أعود لشراء المواقف، البحث ليس عن شراء سكوت دول عن تجاوزات ودعمها فحسب، والموقف أشد خطورة هنا، عندما تتحول المسألة للمتاجرة بالشعوب وعقولها ودعم إيديولوجيات غريبة عن المجتمعات والدول المستهدفة.
وكان اغتيال الأفكار والعقول الواعية أهم ما عملت على تحقيقه دولة قطر، فاستعملت قناة الجزيرة التي تعرت الآن وفقدت مصداقيتها أمام الجميع.
وشنت حرباً على عقول الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليس هذا فحسب، بل امتد الأمر إلى تزويد شريحة كبيرة من الشباب في الدول "المنكوبة" بحواسيب وهواتف ثريا لتأجيج النقمة على الحداثة، ودعم توجهات التطرف المتوج بالإرهاب.
وشخصياً علمت من قيادات قابلتها في قمة حول ليبيا نظمها الناتو في شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية، وشاركت شخصياً في إسقاط القذافي (القيادات الليبية) أن قطر كانت ترسل عبر البحر أجهزة تحرص أن تسلمها وجوه إعلامية من قناة الجزيرة لليبيين شخصياً.
والسؤال هنا لماذا الحرص على أن يوصل إعلاميون يثق الناس في "مصداقيتهم" إلى "الثوار"؟
إنه أيضاً جزء نفسي مدروس من العملية التجارية، يجيده المختصون في تسويق الإرهاب والمتاجرة بالدم.
وتحدثت عن تونس وليبيا على سبيل الذكر لا الحصر لأن المجال لن يتسع هنا لما قامت به الدوحة في المنطقة من ممارسات تآمرية قاتلة عمداً.
واليوم يبيح حلفاء قطر لأنفسهم ما حرموه على دول أخرى في مراحل سابقة، مثل تونس وليبيا ومصر وسوريا عندما حاولوا السيطرة على الفوضى بفرض الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي.
رأينا إيران تقطع وسائل التواصل الاجتماعي كلياً وتقتل العشرات وتعتقل المئات فقط لأنهم طلبوا الحق في الحياة بحرية وكرامة، لأنهم طالبوا أصحاب العمائم أن يلتفتوا إليهم ويصرفوا النظر عن ما في يد العرب.
الأمر نفسه وأكثر سوءاً مع الحليفة الشريكة المخلصة، المتخصصة في زرع الفكر الإخوانجي، تركيا معتقلة لمئات الإعلاميين بتهم لُفِّقت ضدهم فقط لأنهم حاولوا نقل بعض من الحقيقة.
تجار القمع أعداء الحرية، عملتهم واحدة ومصالحهم متعددة تجمعهم حيناً وتفرقهم أحياناً، لكن الأهم أن ناقوس الخطر دق في بلدانهم وحولها، وكل العالم انتبه اليوم لتجارتهم .
دخلوا القائمة السوداء دولياً ولن يفلتوا من العقاب القانوني، ولن تحل عنهم لعنة الدماء التي سفكوا، فشراء المواقف سوق غير مضمونة وشديدة التحرك وتشهد بدورها التضخم، بل أكثر من ذلك هي سوق سريعة الالتهاب ولا تخلف غير الحرائق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة