في وقت أراد فيه حمد بن جاسم أن يفخر بحضور بلده على الصعيد العربي؛ أقرّ أن قطر دست أنفها في كل شاردة وواردة في الوطن العربي.
كغريق يبحث عن قشة يتعلق بها؛ يتخبط نظام الدوحة محاولاً تحريك مياه الأزمة مع الأشقاء بما يخدمه... توجه الساسة القطريون ـ كعادتهم ـ للإعلام؛ فظهر الشيخ تميم في برنامج ستين دقيقة على قناة "سي بي أس"، متحدثا عن الأزمة الحالية؛ ووعود الرئيس الأمريكي له بحلها، إلا أنه يبدو أن الأمير تميم قد تناسى أن تعامل الدول الأربع مع ملف الأزمة خلال الأسابيع التي أعقبت لقاءه بالرئيس الأمريكي كفيلا بالرد عليه، حيث بدا واضحا أن الدول الداعية لمكافحة الإرهاب ماضية في إجراءاتها حتى النهاية.
شهادة حمد بن جاسم تلخّص 20 عاماً من التدخل القطري في شؤون الدول العربية، كما تعد دليلاً واضحاً على أحقية الدول الداعية لمكافحة الإرهاب في الإجراء الذي اتخذته ضد قطر، لكنها تبدي بشكل واضح أن صناعة القرار في الدوحة لم تخرج أبداً عن مطبخ تنظيم الحمدين، وقد جاء حديث الشيخ تميم في الستين دقيقة مؤكداً أن ليس له من الأمر شيء.
إلا أن اللقاء الإعلامي الأهم هو إطلالة حمد بن جاسم في مقابلة مع تلفزيون قطر الرسمي ليقدم شهادته على العشرين سنة الماضية .
المقابلة وجهت نيرانا صديقة لنظام الحمدين، وخدمت بشكل كبير موقف الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لعدة أسباب، منها أنه بدا واضحاً أن الهدف من هذه الشهادة هو أن قطر تضرب بمطالب الأشقاء عرض الحائط؛ وتصر على تمثيل دور الضحية؛ و أن تنظم الحمدين هو الذي يدير هذه الأزمة بعيدا عن رغبات الشيخ تميم.
كما يُستشف اعتراف بأن الشعب القطري يحمِّل تنظيم الحمدين مسؤولية ما وصلت إليه الأمور؛ وإلا فما الداعي لسرد هذه الشهادة على التلفزيون الرسمي في خطاب يتضح من لهجته أنه للداخل؟.
وعكس المتوقع أن يدافع نظام الحمدين عما ارتكبت يمينه خلال هذين العقدين، إلا أن حمد بن جاسم لم يفلح في ذلك، وسنقدم في هذه السطور بعض الأمثلة التي توضح مكامن الفشل هذه :
ـ في وقت أراد فيه حمد بن جاسم أن يفخر بحضور بلده على الصعيد العربي؛ أقرّ أن قطر دست أنفها في كل شاردة وواردة في الوطن العربي، وكانت على عدم وفاق مع جميع الدول العربية، حيث لم يذكر دولة واحدة كانت قطر على توافق تام معها؛ بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي وصف العلاقة معها بالخصوصية .
ـ أقرَّ حمد بصحة التسريبات التي كشفت تآمر الحمدين مع القذافي على المملكة العربية السعودية لكنه حاول جاهداً أن يقول إن المملكة على علم بها؛ قد يكون هذا صحيحاً لكن الواضح أن المملكة وإن أخذت علماً بتآمر القذافي لم تتوقع أن يتآمر عليها ذوو القربى.
ـ أقرّ حمد بن جاسم باستقواء قطر بالكيان الصهيوني، وإقامة علاقات معه ومعرفته شخصياً بالإسرائيليين والجلوس معهم؛ موضحاً ـ بعذر أقبح من الذنب ـ أن ذلك كان تزلفاً وتقرباً للأمريكيين؛ لكن المضحك هو نصيحته للدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل بعدم التفريط في القدس .
لم يكن حمد بن جاسم مقنعاً إطلاقاً حين تحدث عن نقل القاعدة الأمريكية لقطر؛ وهنا أسأل حمد بن جاسم هل يعقل أن يقبل أي نظام في العالم أن يكون مركزاً لقاعدة عسكرية بهذا الحجم بمجرد هاتف يستقبله وزير خارجيته داخل سيارته في باريس أن جنوداً على الحدود يريدون الدخول للدولة؟ وعبر الهاتف من سيارته في الشارع يعطيهم الإذن في ذلك كان حديثاً غير مقنع البتة ، ألا يذكر حمد أنه أقر للقذافي أن القاعدة نقلت باتفاقية لعشرين سنة مع الجانب الأمريكي؟.
أنكر حمد بن جاسم بلا حجة أو دليل دعم قطر للثورات العربية، كما أنكر دعمها لتنظيم الإخوان وهذه أيضا حكاية لن يصدقها عاقل، فلا يحتاج أي أبله في الوطن العربي لدليل واحد أن قطر تدعم الأخوان المسلمين وترغب في تسليمهم سدة الحكم في الوطن العربي والإسلامي.
فهمنا من حديث حمد بن جاسم أن الهدف من دعمهم لإسقاط النظام الليبي كان انتقاماً من معمر القذافي لسبب مالي بحت، وهو عدم دفع دين شيك الممرضات البلغاريات الذي دفعته قطر بعد أن ضحك عليها القذافي.
ورغم أنه حاول تبرير تدخلهم للحيلولة دون قتل القذافي للمواطنين في بنغازي، إلا أن ذلك غير صحيح، وهنا أذكر شهادة مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي السابق، حيث أبلغني أن أمير قطر حمد بن خليفة اتصل عليه بعد ساعة من إعلان انشقاقه، وأبلغه بوقوف قطر معهم وطرح كافة إمكانياتها تحت تصرفهم.
وقد كان انشقاق مصطفى عبد الجليل قبل تحريك القذافي لجنوده باتجاه بنغازي، لكن المحزن هنا هو أن تدمر دولة بأكملها وتهدر أموالها وتحدث شروخاً حادة بين مجتمعها، وتحولها ملاذا للمتطرفين والإرهابيين؛ كل ذلك من أجل الانتقام من شخص لم يدفع لك مبلغاً مالياً استدانه منك.
كان واضحاً العداء القطري للإمارات العربية المتحدة، حيث ذكرها حمد بالاسم في بعض الأمور لكنه أشار لها في أمور أكثر دون ذكر اسمها .
الواقع أن شهادة حمد بن جاسم تلخّص عشرين عاماً من التدخل القطري في شؤون الدول العربية، كما تعد دليلاً واضحاً على أحقية الدول الداعية لمكافحة الإرهاب في الإجراء الذي اتخذته ضد قطر لكنها تبدي بشكل واضح أن صناعة القرار في الدوحة لم تخرج أبداً عن مطبخ تنظيم الحمدين، وقد جاء حديث الشيخ تميم في الستين دقيقة مؤكداً أن ليس له من الأمر شيء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة