مع تقدم ساعات اليوم عقب الضربة اتضح أنها كانت بعلم الروس الذين لم يحركوا ساكناً تجاه هذه الغارة.
حين يحتار أحدنا في إيجاد التبرير المنطقي لحدوث تطور ما في سياق زمني متصل يسهل خلاله التكهن بما يمكن أن يحدث، إما بحكم العادة وإما بحكم الخبرة والقدرة على التوقع، فإن سقف السيناريو التحليلي الذي يسيطر على المشهد حتى إشعار آخر أن هناك أمراً غريباً في القصة،أو أن هناك حلقة مفقودة ولا بد من إيجادها أولا.
السيناريو المتوقع سورياً منذ مدة، أن تضع الحرب أوزارها قريبا وأن يستعيد جيش البلاد نفوذه على الحدود كما كانت قبل اندلاع الأزمة.. ولكن أمام هذه التصريحات.. هل يمكن تخيل هذا السيناريو ولو من باب الأمل؟
منذ أسبوع تقريبا أغارت الولايات المتحدة وحليفتاها بريطانيا وفرنسا على سوريا مستهدفة مواقع قالت إن النظام السوري يستخدمها لإنتاج أسلحة كيماوية، وبررت ذلك بأن هذه الضربة من شأنها أن تضعف قدرات دمشق الكيماوية والتزمت بهذا التبرير دون غيره، دون أن تنتظر نتيجة التحقيقات التي أوفد لها وفد من منظمة حظر السلاح الكيماوي التي تعترف بها الولايات المتحدة ووقعت على معاهداتها، وتبادل الأمريكيون والإنجليز والفرنسيون مع الروس الاتهامات عقب الضربة مباشرة بأن الغارة نفذت بعلم الروس وموافقتهم.. فما كان من الروس إلا الرد بأنه لم يتم إخطارهم بالعملية برمتها، ورافقت موجة الضربات تصريحات روسية غاضبة تجاه التصرف الغربي ووصلت تلك التصريحات حد التهديد بأن الأمر لن يمر دون عواقب.
مع تقدم ساعات اليوم عقب الضربة اتضح أنها كانت بعلم الروس الذين لم يحركوا ساكنا تجاه هذه الغارة، تاركين العالم في حالة من الاندهاش إزاء سبب الوجود الروسي في سوريا من الأساس، الذي هو حماية سوريا من أي هجوم، وكان ذلك مبرر استجلابها لمنظومتي S300 وS400 ونقل الأخيرة منها بالطائرات إلى الداخل السوري، إلا أن الأمر لم يكن حينها بالنسبة لروسيا إلا فرصة لا تعوض، لتتموضع قريباً جداً من مناطق نفوذ حلف الناتو، خصم روسيا التقليدي اللدود، ولا أود الخوض في مدلولات كل خطوة روسية أو أمريكية في سوريا وما تحمله من استعراض للإمكانات العسكرية أو السياسية فكلها عديمة المعنى وما هي إلا تشتيت وحرف للأنظار عن مآرب ذات نتائج سيئة على سوريا والسوريين، والأدهى أنها تتم كما لو أن البلدين غير متفقين على تصرفات بعضهما البعض أو تصرفات تركيا أيضا التي تشارك روسيا وأمريكا ذات التصرفات سيئة النتائج في سوريا.
كل ما حدث خلال الأسبوع الذي أعقب الضربة من تحليلات وتكهنات ومحاولات لفهم كيف تم الأمر قلت أهميته أمام التصريحات الأحدث لروسيا، التي جاء فحواها أن الغارات الغربية لم تتجاوز الخطوط الحمراء في سوريا! ثم التصريح الأكثر إثارة للدهشة والتساؤلات: لا نعلم ما إذا كانت حدود سوريا ستبقى على ما هي عليه أم لا!! يا له من تصريح.. من الذي يعلم إذاً إن كنتم لا تعلمون؟! ولا يخفى على أحد ما يحمله التصريحان من غزل وتبرير لكل ما يحدث لسوريا من فظائع وتجاوزات دولية تحت سمع وبصر العالم.
في تقديري أن هذا التصريح يخبئ بين حروفه الكثير من المفاجآت التي تشكلت ملامحها منذ التوغل التركي في الشمال السوري وإبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية منها، ثم الحديث التركي عن نيتها التوجه شرقاً باتجاه الحدود العراقية لا لقتال "داعش"، وإنما لإبعاد الأكراد عن حدودها.. ثم تصريحها بأنها لن تغادر المناطق التي باتت تحت سيطرتها، لأن المدنيين بحاجة إلى حماية.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة.. متى يعلن اللاعبون الرئيسيون الخطة المرسومة لسوريا؟ وكيف هو موقف حكومتها من كل ما يدور من حديث واضح الكلمات؟ وما معنى أن يتم الحديث بهذه الصورة بطريقة فيها تمرير لنوايا مبيّتة في بالون اختبار؟
السيناريو المتوقع سورياً منذ مدة، أن تضع الحرب أوزارها قريباً، وأن يستعيد جيش البلاد نفوذه على الحدود كما كانت قبل اندلاع الأزمة.. ولكن أمام هذه التصريحات.. هل يمكن تخيل هذا السيناريو ولو من باب الأمل؟ من سيضمن أمراً كهذا أصلاً والعالم ما عاد له كبير يضبط إيقاع حركته في مجلس الأمن، والحالة السورية برمتها خير شاهد على ذلك.. المشهد ضبابي للغاية، والمستقبل مجهول، والتفاؤل بغد أفضل للسوريين الأمل الممكن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة