"رياض الصلح".. ساحة "الوحدة" اللبنانية

ساحة رياض الصلح وسط العاصمة اللبنانية بيروت.. اسم بات متداولا في وسائل الإعلام العربية والدولية كلما تطرقت للاحتجاجات التي يشهدها لبنان

فيها بدأت تجمعات صغيرة من المحتجين اللبنانيين الرافضين لضرائب جديدة بموازنة 2020، وإليها زحف العشرات ثم المئات فمئات الآلاف، ليتحول الغضب إلى مليونية حاشدة تهتف بإسقاط النظام.

• احتجاجات لبنان تتواصل لليوم السادس والسلطة تبحث عن "الخطة ب"
• تأجيل جزئي للانتخابات البلدية في لبنان "حتى إشعار آخر"

ساحة رياض الصلح وسط العاصمة اللبنانية بيروت.. اسم بات متداولا في وسائل الإعلام العربية والدولية كلما تطرقت للاحتجاجات التي يشهدها لبنان لليوم السادس على التوالي، تنديدا بالأوضاع المعيشية، وطلبا لرحيل الطبقة الحاكمة التي تسيطر على قراراتها مليشيات حزب الله التابعة لإيران.

وبتصدرها دائرة الضوء بالأيام الأخيرة، اكتسبت الساحة ما يشبه الرمزية التي عادة ما تنبع من أحداث مماثلة، فتحمّل المكان بأكثر من أبعاده الفيزيائية، وتدخله التاريخ من بابه الواسع، تماما كما هو الحال مع ساحة رياض الصلح التي استطاعت توحيد اللبنانيين تحت علم بلدهم، بعيدا عن التقسيمات الطائفية المهيمنة عليه. 

رياض الصلح.. الاسم والرمزية

ساحة مربعة تقع في قلب بيروت، وسميت على اسم أول رئيس وزراء لبنان المستقل رياض الصلح، والذي لا زال يحظى لدى اللبنانيين بمكانة خاصة، تكريما لفضله في فصل البلاد عن سوريا، وبناء كيان سياسي مستقل تحت الانتداب الفرنسي.

وكما لبنان وبيروت، مرت الساحة بتحولات كثيرة عبر الزمن.. ففي العصر الروماني سيطرت المباني العامة الكبيرة على هذه المنطقة التي كانت تقع سابقًا خارج سور المدينة الهلنستية.

وفي عام 1863، جرى الانتهاء من الطريق الرابطة بين دمشق وبيروت ومن طريق دائرية حول المدينة، لتصبح المنطقة ساحة حضرية معروفة باسم ساحة عاشور.

استخدمت لعقود من الزمن ساحة للعرض العسكري وسوقا للماشية، قبل أن يبدأ بناء سوق مسقوفة بإحدى فترات التحديث، كما تمت إضافة حديقة عامة مفروشة بكشك، بالإضافة إلى نافورة مبنية على شرف السلطان عبدالحميد الثاني، وبنيت صيدلية تابعة للبلدية وخدمة التليغراف على الحافة الشمالية للمربع. 

وفي 1943، حصل لبنان على استقلاله، لتصبح الساحة جزيرة مرورية، ومن ثم، وتحديدا مع مطلع خمسينيات القرن الماضي، بدأت تظهر مبانٍ جديدة على جانبها الشمالي. 

وفي عام 1957، تمت إعادة تسمية الساحة بعد أن حصلت على تمثال رياض الصلح، الذي صممه مارينو مازاكوراتي، غير أنه أزيل من مكانه خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990، لتستعيده بعد 8 سنوات، وينتصب بموقعه الأصلي الذي يستعرض، بلا كلمات، تاريخ لبنان المستقل. 

ساحة توحد طوائف لبنان

غابت أعلام الطوائف، وحضر العلم اللبناني ليؤكد المحتجون أن غضبهم شعبي عفوي لا يقف وراءه أي طرف أو حزب سياسي. 

ففي لبنان، ولئن استطاع اتفاق الطائف في 1989 وضع حد لحربه الأهلية، إلا أنه لم يتخلص على أرض الواقع من المحاصصة الطائفية التي ظلت السمة الأبرز في التعيينات العليا والدنيا بالبلاد. 

ومع تشكيل الحكومة الجديدة في فبراير/شباط الماضي، بأغلبية واضحة فيها لحزب الله وحلفائه، تعثرت جميع البرامج الإصلاحية التي حاول رئيسها وبقية الكتل الحكومية إقرارها بسبب معارضة المليشيا الإيرانية، لتتوسع بذلك عمليات النهب والفساد. 

فباعتماد نظام المحاصصة القائم على المواءمة بين الطوائف، شهد لبنان بعض الاستقرار، لكن ومع وضع حزب الله يده على مفاصل القرار الحكومي، فاحت روائح الفساد وسوء الإدارة والأداء، في جرائم ظلت بعيدة عن المحاسبة بسبب التوازنات الطائفية الحاكمة.

وضعية خلقت لدى اللبنانيين عبر مرور الزمن تراكمات من الاستياء والاحتقان، سرعان ما بلغت درجة الغليان لتنفجر وسط ساحة الصلح وفي عدة مدن ومناطق أخرى، لكن الساحة تظل المكان الأبرز بالنظر إلى رمزيته التاريخية من جهته، وباعتبار أن العواصم تظل محط الأنظار بشكل رئيسي من جهة أخرى.

وتواصلت، الثلاثاء، لليوم السادس على التوالي، المظاهرات في لبنان رفضا لمبادرة الحكومة الإنقاذية لإصلاح المنظومة الاقتصادية ومحاربة الفساد، وأكدوا في بيان أنه "لا تراجع" عن تحقيق المطالب الشعبية بإسقاطها.

وأعلن رئيس الوزراء سعد الحريري إقرار مجلس الوزراء موازنة عام 2020 بدون ضرائب جديدة، مع إقرار بنود عدة وصفها بالإصلاحية، بينها خفض رواتب النواب والوزراء للنصف، وإلغاء وزارة الإعلام ومؤسسات أخرى "غير ضرورية"، في محاولة لامتصاص غضب الشارع، كما أعلن أيضاً دعمه لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة نزولاً عند طلب المحتجين.

وجاء الرد الشعبي على كلمة الحريري من ساحة رياض الصلح، وسط بيروت، حيث ذكرت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن "المحتجين يتحلقون حول مكبرات الصوت للاستماع إلى كلمة رئيس الحكومة سعد الحريري مباشرة، وعند ذكر كل بند يهتفون: ثورة والشعب يريد إسقاط النظام".