فتية الروهينجا.. يضطهدهم الوطن وتنقذهم عبوة بلاستيك
مسلمو الروهينجا يستسهلون السباحة حتى وإن كانوا لا يتقنون فنونها، فهي على الأقل تمنحهم أمل النجاة من العنف الذي يطحنهم في بلادهم
يدين "نبي حسين" بحياته لحاوية زيت بلاستيكية، فالمراهق الصغير الذي لا يتقن السباحة، ولم ير النهر قط، قبل فراره من قريته في ميانمار، تعلق بالحاوية الصفراء، لمسافة تزيد عن 4 كيلومترات، قبل أن تقذفه الأمواج إلى شاطئ بنجلاديش المجاورة.
لقد تملك اليأس من مسلمي الروهينجا، لدرجة يستسهلون معها السباحة، حتى وإن كانوا لا يتقنون فنونها، فهي على الأقل تمنحهم أمل النجاة من دوامة العنف التي تطحنهم في بلادهم.
وخلال أسبوع واحد فقط، استخدم أكثر من 30 فتى وشابا عبوات زيوت الطهي البلاستيكية، كسترات نجاة، لعبور نهر ناف، وصولا إلى شاطئ مدينة "شاه بورير دويب" البنغالية، بحسب ما أوردته وكالة "أسوشيدتبرس" الأمريكية.
يقول نبي، الذي لا يتجاوز عمره 13 عاما، إنه كان خائفًا جدًا من الموت، معتقدا أن هذا يومه الأخير، لكن بعد وصوله البر البنغالي، انتقلت محنته إلى كونه لا يعرف أحدا في هذا البلد.
وتمتد مأساة الفتى الذي لا يبتسم إلا لماما، ونادرا ما يثبت عينيه في وجه محدثه، أن والديه اللذين تركهما خلفه، لا يعرفان بعد إن كان على قيد الحياة، ولا يعرف هو إن كانا في مأمن.
ففي المرة الأخيرة التي شاهد فيها نبي، قريته، كانت جميع المنازل مشتعلة، جراء الحملة الوحشية التي يتعرض لها الروهينجا على يد جيش ميانمار.
وبعدها هربت أسرة الفتى، وهو الرابع من بين 9 أطفال لأب مزارع، ناحية النهر، لكن عند وصولهم ضمن آلاف الفارين، مخلفين آلافا من الجثث، لم تكن العائلة تملك المال اللازم، لدفعه للمهربين، الذين يستخدمون مراكب بدائية.
وبعد 4 أيام، شح فيها الطعام، أو كاد ينعدم، أخبر "نبي" والديه بأنه يريد السباحة إلى الشاطئ المقابل.
لم يكن والداه يريدانه أن يذهب، فأحد أشقائه الأكبر سنًا، غادر إلى بنجلاديش منذ شهرين، ولا يعرفان ما حدث له، كما أن التيارات القوية من الممكن أن تحمل "نبي" إلى مجاهل المحيط، عوضا عن مقصده .
ووسط إلحاحه، وافق والداه، شريطة ألا يذهب بمفرده. وبالفعل انضم الفتى لمجموعة من 23 شابا، يعتزمون عبور النهر، ورافقته أسرته حتى الشاطئ لوداعه، وهي وجلة من أن يكون الوداع الأخير.
وبعد أن اختبروا تحول التيار ناحية وجهتهم، تشبث "نبي" ورفاقه بالعبوات البلاستيكية، موزعين على مجموعات، كل منها تضم 3 من الهاربين، مشدودين إلى بعضهم بحبال، بعد وضع الفتى في المنتصف، لصغر سنه، وجهله السباحة.
يتذكر "نبي" ابتلاعه للمياه قسرا، والألم الذي يسري من رأسه إلى قدميه، لكنه لم ينظر خلفه قط، حتى وصولهم بعد نهار قاس، وهم مرهقون وجوعى، يفتقدون معنى الوطن.
واليوم، فإن "نبي" وحيد، ومن بين ما يُقدر بـ 40 ألف طفل روهينجي غير مصحوبين بذويهم، يعيشون في بنجلاديش.
وبينما ينظر إلى الأسفل أثناء حديثه، يهمهم الفتى بأمنيته الأكبر "أريد والداي والسلام".
وفي وقت لاحق، بعد ظهيرة اليوم التالي، لمحت السلطات بضع نقاط في وسط المياه، لم تكن سوى مجموعة أخرى من الروهينجا، يسبحون على متن عبوات بلاستيكية أخرى.