الإرهابي ليس من رحم التطرف فقط، ولكنه تربى وترعرع في كنف حركات (ماضوية) تستخدم أي وسيلة، وأي مذهب، للوصول إلى أهدافها.
هناك كثيرون ما زالوا يعتقدون أن التطرف السلفي الحركي هو حضن الإرهاب، فمنه ومن ثقافته، نشأت كل الثقافات الإرهابية. ربما يكون ذلك صحيحا على مستوى الثقافة الفكرية النظرية، لكنه على مستوى التطبيق المنهجي على الأرض، يحتاج إلى تنظيم هيكلي وآليات إجرائية تنقله من مستوى التنظير الفكري إلى مستوى التطبيق العملي. وهذه لا تجيدها إلا جماعة الإخوان، أو تلك الجماعات المنبثقة عنها. أي بمعنى آخر، التطرف والغلو موجود منذ القرن الهجري الأول، ولأنه ظاهرة طارئة على الإسلام منذ ذلك الوقت، استطاع المسلمون القضاء عليه.
ليس لديَّ أدنى شك في أن جماعة الإخوان المسلمين، وكل الحركات التي تفرعت عنها، كالسروريين أو القطبيين، مآلهم حتما إلى الفناء. غير أن ذلك المصير المحتوم لا يعفينا من العمل بجهد ومثابرة لا تعرف الكلل ولا الملل على التعجيل بهذه النهاية
والخوارج -كما هو معروف- أول من وظّفوا الدين لغايات سياسية، واتخذوا من التزمت والغلو العقدي والفقهي وكذلك التوحش والدموية منهجا، ولأنها ضد طبيعة البشر، فقد انتهت إلى الاضمحلال ثم الفناء تقريبا.
وليس لديَّ أدنى شك في أن جماعة الإخوان المسلمين، وكل الحركات التي تفرعت عنها، كالسروريين، أو القطبيين، مآلهم حتما إلى الفناء. غير أن ذلك المصير المحتوم لا يعفينا من العمل بجهد ومثابرة لا تعرف الكلل ولا الملل على التعجيل بهذه النهاية، فكل يوم يمضي ولم تنتهِ فيه هذه الظاهرة، سيعوق مسيرتنا التنموية نحو الحضارة ومواكبة الأمم المتقدمة.
ولتحقيق ذلك، فإن المملكة ومعها الإمارات وكذلك مصر قد واجهتها، بعد أن افتضح لهذه الدول بأن الطرح التنموي بمعناه الشامل، وطرح المتأسلمين ضدان لا يجتمعان، فلابد من أن يفجر أحدهما الآخر بالضرورة المنطقية، كما أن أي محاولة للتوفيق بين الطرح التنموي وطرح المتأسلمين لا يمكنك إطلاقا أن تجمع بينهما لتباين الأسس والمنطلقات، فجماعة الإخوان تطرح مشروعا ماضويا، يأخذ نماذجه وتطبيقاته من الماضي، ويريدون أن يُجبروا عقارب الساعة للعودة إلى الوراء، حيث كان المسلمون أهل حضارة وقوة ومنعة، أما التنمويون فهم ينطلقون من الحاضر، ومما هو كائن بالفعل، مستفيدين من تجارب اليوم المعاصر والحي، لا تجارب الغد الغابر، وهذه التجارب تتخذ من مناهج الغرب وكذلك الشرق العقلانية، ديدنا منهجيا لها.
وهناك كثير من التجارب التي حاولت أن تعود إلى الماضي، وترفض الحاضر، وفشلت فشلا ذريعا، وآخر هاتين الحركتين جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وجماعة داعش في سوريا والعراق. أعرف أن هناك فروقا في التفاصيل، غير أن مرجعية تلك الحركتين واحدة بل متطابقة، وإن ادّعى الإخوان غير ذلك فهم يكذبون.
ما أريد أن أقوله في هذا المقال، وأنبه إليه: صحيح أن جماعة الإخوان هُزمت شر هزيمة فيما يُسمى بالربيع العربي، واكتشف الإنسان المسلم مدى الدمار المروّع الذي حلّ بالدول التي مرّ بها هذا الربيع المزعوم، وصحيح أن أهم ثلاث دول في المنطقة على الأقل تسعى بحزم وإصرار إلى محاصرته بكل الأساليب، بغرض اجتثاث التأسلم الانتهازي المسيس، إلا أن هناك دولا من هذه الدول الثلاث، كالمملكة مثلا، ما زال يوجد فيها من المنتمين إلى هذا التيار، أو من يدعم هذا التوجه، يقبعون في المستويات المتوسطة الإدارية في الأجهزة الحكومية التنفيذية، أو التعليمية، وأيضا الإعلامية؛ ومثل هؤلاء هم الآن في مرحلة كُمون؛ لأنهم خائفون، ولكن ما أن يجدوا فرصة بسبب التراخي والتسامح، فسيعودون ثانية للظهور قطعا، ربما بجلود أخرى، لأنهم متلونون، مراوغون، ويجيدون فن التمويه و(التقية)، حتى وإن اضطروا للكذب والافتراء الآن، لأن عاصفة التغيير تهب ضدهم.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن الإرهابي ليس من رحم التطرف فقط، ولكنه تربى وترعرع في كنف حركات (ماضوية) تستخدم أي وسيلة، وأي مذهب، للوصول إلى أهدافها. اليقظة التي لا تعرف التثاؤب هي السياج الوحيد الذي يمكن أن يحمينا من عودة هؤلاء المتخلفين.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة