مدرسة للإنشاد الديني في مصر.. تراث إسلامي ممزوج بموسيقى عالمية
نقيب المنشدين الدينيين في مصر الشيخ محمود التهامي يؤسس مدرسة الإنشاد حتى تصقل المواهب بالدراسة والعلم
أمام جمع من الأطفال والشباب والكبار جلس نقيب المنشدين الدينيين في مصر الشيخ محمود التهامي على أريكة خشبية يختبر الحضور في فن المقامات الموسيقية وما يحفظون من أناشيد.. إنها مدرسة الإنشاد الديني التي تأسست للحفاظ على تراث الآباء والأجداد ولتحويله إلى فن معاصر.
كان الحضور يجلسون في فناء واسع داخل قصر الأمير طاز بوسط القاهرة، حيث نفحات التاريخ الإسلامي تفوح من الجدران والأعمدة والأبواب.
ولم يكن التهامي يعتمر عمامته الشهيرة وجلبابه الصعيدي الفضفاض بل كان ممسكا بعوده الخشبي يداعب أوتاره ويؤدي الأناشيد الدينية مرتديا قميصا صيفيا وسروالا قصيرا من الجينز وقبعة ونظارة شمسية.
وقال لوكالة الأنباء الفرنسية في إشارة إلى ملابسه "لا أستطيع الذهاب إلى الصعيد (جنوب مصر) بهذا الزي، لا بد من أن أرتدي العمة والجلباب".
وأضاف: "لكن هنا (في مدرسة الإنشاد) أنا وسط أولادي وشباب المنشدين ومن الممكن أن يرهبوا العمة والجلباب بعض الشيء ما قد يؤثر على التجاوب والتفاعل".
تربى محمود، المنشد الصعيدي البالغ 41 عاما، في محافظة أسيوط جنوب البلاد ونشأ في بيت والده ياسين التهامي شيخ الإنشاد والمديح الشهير، وأسس مدرسة الإنشاد في عام 2014 بعد تأسيس نقابة الإنشاد الديني.
وقال التهامي: "تبين لنا أن أغلب المنشدين المحترفين يعملون بالخبرة والموهبة فقط دون العلم.. من هنا وجب علينا أن نؤسس مدرسة الإنشاد حتى تصقل المواهب بالدراسة والعلم".
وأشار إلى أن طلاب المدرسة يدرسون التواشيح وعلم النغم والمقامات الموسيقية واللغة ومخارج الألفاظ وتمتد فترة الدراسة بين 4 و6 أشهر.
وتستقبل المدرسة التي تخرج منها حتى الآن 9 دفعات، بحسب التهامي: "كل الأعمار والأديان والأجناس ومن جميع دول العالم، طالما تتوافر الموهبة".
"الصوفية مقابل الحداثة"
يقول التهامي إنه من "محبي الصوفية ونشأت بالفعل في بيت صوفي ولكن لا أدّعي أنني صوفي لأنها مسؤولية".
وأضاف أن التصوف الآن يلعب "دورا كبيرا في تصحيح العقائد والأفكار في زمن التطرف والعنف والإرهاب".
وأثناء تدريب طلاب المدرسة وتوجيه النصائح من قبل الشيخ، قرر التهامي تشغيل موسيقى الدراما الغربية الشهيرة "صراع العروش" والإنشاد الديني عليها في مشهد غير اعتيادي.
وفي السنوات الأخيرة سعى التهامي من الإنشاد والمدرسة إلى أن يطبق فكرا جديدا يقوم على الحفاظ على التراث والأصالة وتقديمهما بطريقة حديثة من خلال المزج بألوان فنية وثقافية متنوعة.
وقال: "مزجت بين فن الإنشاد الديني بالأسلوب التقليدي وألوان الموسيقى الأخرى الغربية والشرقية".
وكان عام 2017 بداية تجربة التهامي المعاصرة عندما قدّم 3 أناشيد في الألبوم الغنائي الأمريكي "أوريجن" الذي حصد إحدى جوائز جلوبال ميوزيك أوورد.
ويقول التهامي لفرانس برس: "بعد 2017 بدأت أنطلق إلى المهرجانات الفنية الدولية وليس الدينية فحسب حتى يصبح الإنشاد فنا إنسانيا مرة أخرى".
ومن بين مظاهر تجديد التهامي في فن الإنشاد، مشروع تعاون ما زال مستمرا بينه وبين الموسيقي المصري الحائز على "جرايمي أوورد" فتحي سلامة تحت اسم "الصوفية مقابل الحداثة".
ويقول التهامي إن ذلك التعاون "لقي اهتماما عالميا وكان من المفترض أن نقدم عرضا في النرويج وإيطاليا قبل أن تتوقف الرحلات بسبب كورونا".
وكشف التهامي عن أحدث مشروع له في هذا الصدد وهو "اللغة العربية الفصحى بموسيقى الشعوب"، مشيرا إلى أن الهدف من المشروع هو "أن يتم طرح الفصحى بموسيقى مختلفة مثل الروك والبوب والهاوس وأن أستطيع من خلالها توصيل اللغة العربية لأغلب الفئات ليس فقط الغرب وإنما الشباب المحلي أيضا".
أوركسترا الإنشاد
بمجرد أن يتخرج الطلاب من مدرسة الإنشاد، يصبح لديهم فرصة الالتحاق بمنتخب الإنشاد، وهو الفريق الذي يضم أعضاء جميع الدفعات.
وبحسب التهامي، هناك في المنتخب من يلتحق بمسابقات لا تتعلق بالإنشاد الديني "وعلى سبيل المثال هناك 4 من تلاميذي شرفونا في البرنامج الغنائي (ذا فويس كيدز)".
وقال التهامي: "من هنا جاءت فكرة تأسيس أول وأكبر أوركسترا للإنشاد الديني في مصر" بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة المصرية، وتم تأسيس الأوركسترا في يناير/ كانون الثاني بالتزامن مع حصول مصر على لقب مسابقة "منشد الشارقة".
وتضم الأوركسترا حتى الآن 40 منشدا و25 موسيقيا، ولكن لم تعمل بطاقتها الكاملة بعد بسبب جائحة كوفيد-19 التي أوقفت الكثير من الحفلات والعروض.
وعلّق التهامي "الجمهور الغربي والأجنبي يستقبل الإنشاد بشكل أقوى من الجمهور المحلي.. قد لا يفهمون الكلام ولكن يصلهم الإحساس بالتأكيد".