"سكة معارف".. طريق لثقافة مختلفة في مصر

"سكة معارف" مشروع يسعى لتنمية الاهتمام بالعلوم الإنسانية المختلفة من خلال جلسات نقاشية مع أساتذة متخصصين في تلك العلوم.
في مشهد يبتعد عن تقليدية النظام التعليمي، يجلس شباب لا يعرف بعضه البعض، وربما لم يلتق من قبل، جمعهم شغفهم المشترك بالعلوم الإنسانية، يستعدون لقضاء ساعات من الاستماع والنقاش مع متخصصين في تلك العلوم، يطرحون أمامهم سبلا أعمق للفهم المجتمعي والثقافي والإنساني من تلك التي يعبرون بها ليل نهار على مواقع التواصل الاجتماعي، وأسئلة تتشابك مع واقعهم، بداية من العمران، إلى اللغة، إلى ثقافة الطعام، وغيرها من مفاتيح قراءة ذواتهم ودوائر مجتمعهم أولا.
وتسعى هذه الأسئلة لجمع شتات المهتمين بعلوم الإنسان والاجتماع والتاريخ وغيرها من فروع العلوم الإنسانية، وهو جوهر المشروع الذي تقوم عليه جمعية النهضة العلمية والثقافية "الجيزويت" في مصر، من خلال نقاشات حيّة تستضيفها قاعاتها تحت اسم "سكة معارف".
انطلق مشروع "سكة معارف" عام 2017، ويتيح مساحة تجريبية للقاء المعارف الإنسانية المتعددة مثل علم الاجتماع، الأنثروبولوجيا، القانون، اللغة، الأدب، التاريخ ودراسات النوع الاجتماعي وغيرها، وتدعيم مساحة الحوار في الإنسانيات المختلفة باللغة العربية والعامية أيضاً، وربطها بالممارسة اليومية المنفتحة على المجتمع، كطرح حلقات النقاشية مثل "كيف نقرأ المجتمع المصري؟"، و"التاريخ الشفوي كمنهجية لقراءة التاريخ"، و"الخوف" و"ثقافة الطعام"، وغيرها.
ووفقاً للمدير التنفيذي لجمعية الجيزويت، سامح سامي، فإن "سكة معارف" هي بمثابة "مدرسة للعلوم الإنسانية" على حد تعبيره، وقال لـ"العين الإخبارية": "سكة معارف هي مساحة للقاء المهتمين بالمعارف الإنسانية مثل علوم الإنسان والاجتماع والتاريخ، وهي المدرسة الرابعة بأكاديمية النهضة للفنون والآداب (جزويت القاهرة) التي تضم معها مدارس السينما والمسرح الاجتماعي والرسوم المتحركة".
وأضاف سامي: "لجمعية النهضة العلمية والثقافية- جزويت القاهرة، فلسفة ورؤية للإنسان وللمجتمع، منشورة في كتيب يحمل ملخص لرؤية الجمعية للمجتمع، وترى أنه اجتماعيا لا يكتمل نمو الإنسان إلا بانخراطه في جماعة".
وتابع بقوله: "تعمل الجمعية على تهيئة الفرد للاستفادة من الخبرات الرائدة في العالم الثالث بمجال التربية، مثل ما قدمه المُنظّر والتربوي البرازيلي باولو فريري، لتصبح مدارس الأكاديمية الـ4 مشاتل للتعايش بين المتدربين والمتدربات مهما اختلفت ديانتهم وطبقاتهم الاجتماعية وتوجهاتهم السياسية، ومدرسة للعلوم الإنسانية تقف كخلفية ثقافية واجتماعية وإنسانية لبقية المدارس ولأنشطة الجمعية المتعددة"
وأوضح: "فهي مساحة للباحثين المهتمين ببناء ومشاركة معارفهم وإنتاجاتهم والانخراط في فهم متعمق للمجتمع المحلي، ودوائره الأوسع التي تشمل مصر والعالم، من خلال موضوعات لمحاولة فهم المجتمع المصري، عبر قراءة التاريخ أو من خلال العمران زمان والآن".
ويعتبر المدير التنفيذي للجمعية أن "سكة معارف" مثل غيرها من المبادرات في جمعية النهضة، تتبلور وتتشكل وتختمر بعد تجريبها على أرض الواقع لمدة زمنية غير قليلة، حتى نستطيع معرفة جوانب القوة والجوانب التي تتطلب التحسين.
ويضم "سكة معارف" عدداً من الأساتذة الزائرين، إلى جانب الباحثين المهتمين ببناء ومشاركة معارفهم وإنتاجاتهم، والانخراط في فهم متعمق للمجتمع المحلي ودوائره الأوسع التي تشمل مصر والعالم.
ومن بين تلك الأسماء البارزة في حلقات المشروع، الدكتورة ملك رشدي، أستاذة علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، والدكتورة مديحة دوس، أستاذة اللغة الفرنسية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، والدكتورة منيرة سليمان، أستاذة الأدب المقارن بجامعة القاهرة قسم اللغة الإنجليزية وآدابها، والدكتورة ريم سعد، أستاذة مساعدة في قسم أنثروبولوجيا اجتماعية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والدكتورة هدى الصدة، أستاذة الأدب الإنجليزي والمقارن في جامعة القاهرة، والدكتور هاني السيد أستاذ القانون بالجامعة الأمريكية، والدكتورة دينا مكرم عبيد، أستاذة مساعدة في قسم علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، وغيرهم.
كما تضم "سكة معارف" فكرة "المعمل" كمساحة للتجريب في نقل المعرفة التي يتيحها المنتج المعرفي الأكاديمي الصادر بالإنجليزية، وقد اكتشف القائمون على المشروع أن هناك صعوبات وتحديات كثيرة تحيط بترجمة النصوص الأكاديمية النظرية ذات الطبيعة الناقدة إلى اللغة العربية، منها غياب إنتاج معرفي ضخم باللغة العربية في مجال الإنسانيات والعلوم الاجتماعية يساير المنتج المعرفي المتوفر بالإنجليزية ويشتبك معه، ما يؤدي لغياب قاعدة لغوية بالعربية تساعد مترجم تلك المعرفة، ومنها عدم انشغال المعنيين بالأفكار أنفسهم بترجمة النصوص، ومنها ما يتعلق بسوق النشر وحقوق الملكية الفكرية.
ويسعى معمل الترجمة والكتابة إلى التجريب على مسار المساهمة في أمرين: زيادة المُنتج المعرفي النظري والناقد المترجم إلى العربية، وثانياً، تقديم بعض الأفكار المذكورة المتاحة بالإنجليزية للقارئ العربي، من خلال مقالات تعرض تلك الأفكار وتشتبك معها.
وقد لاحظ يوسف رامز، الباحث المصري والمدير التنفيذي السابق لجمعية الجيزويت، الفجوة بين مواد العلوم الإنسانية المتاحة باللغة الإنجليزية ونظيرتها بالعربية خلال دراسته لعلم الأنثروبولوجيا وإعداده لدرجة الماجستير بالجامعة الأمريكية بالقاهرة به.
وقال رامز لـ"العين الإخبارية": "تقدمت للحصول على الماجستير، وكنت المدير التنفيذي لجمعية النهضة، وشعرت بحاجتي لدراسة العلوم الاجتماعية، وتحديداً الأنثروبولوجيا، ووجدت أن المتاح باللغة العربية وخارج أسوار الجامعة الأمريكية في العلوم الاجتماعية قليل جداً وقديم جداً وبعيد جداً عما يقال في العلوم الاجتماعية النقدية في العالم".
وأضاف: "فكرة السيمنار أو حلقة الدراسة المفتوحة خارج المؤسسة الأكاديمية، كانت موجودة في جمعية النهضة منذ سنة 2000، ومن أول الأشياء التي قمت بها في الجمعية مع بداية عملي بها سنة 2002 كانت المساعدة في تنظيم سيمنار لقراءة كتاب (سيكولوجيا الإنسان المقهور) للدكتور مصطفى حجازي، وبعده سيمنار عن "الجندر" أو النوع الاجتماعي مع يسري مصطفى".
وتابع: "كان جمهور السيمنار في الأغلب شباب وشابات في جامعات من المهتمين بالثقافة والصحافة، ومنهم المهتمين بالمعرفة بشكل عام من غير هدف مهني".
ويروي يوسف رامز أن جذور تدشين "سكة معارف" بدأت مع التفكير في تأسيس ورشة عمل مفتوحة بعنوان "إدراك" لمناقشة قضايا وموضوعات مختلفة في الفلسفة والاقتصاد والثقافة وحتى العلوم الطبيعية، وكانت "إدراك" تستضيف محاضرين مختلفين منهم المهندس الدكتور منير مجاهد وغيرهم من الأساتذة البارزين.
aXA6IDE4LjIyMS4yNDAuMTk2IA==
جزيرة ام اند امز