قرار أعلنت عنه رئاسة شؤون الحرمين في السعودية، حول اختيار خطيب يوم عرفة، في موسم حج هذا العام، أثار ثائرة جماهير الجماعات الأصولية السياسية الإسلامية في العالم.
القرار هو اختيار الدكتور الشيخ محمد العيسى، ليكون هو المعتلي منبر عرفة، وكما جاء في الحديث الشريف "الحج عرفة"!
خطبة عرفة هي بيان الحج، وكلمته الكبرى، واختيار الشيخ الذي يعتلي هذا المنبر، هو رسالة بحد ذاتها.
كتبت رئاسة شؤون الحرمين عبر صفحتها الرسمية بتويتر الثلاثاء الماضي: "صدور الموافقة السامية الكريمة على قيام معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، عضو هيئة كبار العلماء الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بالخطبة والصلاة يوم عرفة بمسجد نمرة لهذا العام 1443هـ".
إذًا، فقد اختارت إرادة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، الشيخ الدكتور محمد العيسى خطيب المسلمين والحج هذا العام في يوم عرفة، وهو اختيار حصيف رشيد وله دلالاته في هذا الوقت.
لماذا غضب أنصار "الإخوان" و"القاعدة" و"داعش" وغيرهم من هذا الاختيار وأفرغوا حنقهم بكل لفظ استباحي، بل وتكفيري، من بعضهم بحق الشيخ العيسى؟
الجواب المباشر هو لأن الرجل يسعى لتكريس الخطاب المعتدل، ويجسد ذلك عمليًّا في خطوات شجاعة، ومن ذلك زيارته لمعسكر "أوشفيتز"، إحدى محارق اليهود في أوروبا، التي أسسها النازيون، واستنكاره مع وفد مسلم رفيع لتلك الجريمة.
والأهم من ذلك، تقديمه لصورة مختلفة عن الفقيه المسلم والشيخ، خاصةً الشيخ الآتي من قلب جزيرة العرب ومهد الإسلام، مختلفة عن الصورة التي يُراد لنا ألا نرى غيرها، صورة الشيخ إما "الدرويش السلفي" الغائب عن العصر، أو المتثقف بثقافة محمد قطب وسيد قطب ومحمد أحمد الراشد وسعيد حوى ومجلة "المجتمع" وسفر الحوالي وسلمان العودة ويوسف القرضاوي... إلخ.. من صانعي "المحتوى" الثقافي الممهور باسم الإسلام، وهو علّة الإسلام والمسلمين اليوم حقًّا.
الرجل، عنيت محمد العيسى، لا تنقصه السيرة العملية الناصعة، ولا التأهيل الفقهي الشرعي الإداري... لكن القوم لا يهمهم هذا.
هو كان رئيس محكمة تمييز، ثم وزيرًا لوزارة العدل عام 2009، ليشغل منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء عام 2012، وحاليًّا الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.
هو، بكل المعايير من جماعة الفقهاء والقضاة والشيوخ والإداريين الأولى، فلا مطعن لهم عليه من هذا الباب، لكنهم، حسب عادتهم، طعنوا في ذمته وإخلاصه ونزاهته... بغض النظر عن الصدق والكذب.
قرار رشيد... ويكفي في معرفة صوابه الإصغاء إلى عويل الغلاة.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة