عقد من الرفاه وآخر من الكفاح.. هل ينصر الاقتصاد التركي أردوغان هذه المرة؟
قبل 20 عاما، تولى رجب طيب أردوغان حكم تركيا لأول مرة كرئيس وزراء، مدشنا صفحة اقتصادية جديدة لبلاده محليا وعالميا.
وحسب تحليل لرويترز، يمكن تلخيص قصة الاقتصاد التركي في حقبة أردوغان إلى فصلين رئيسيين يمتد كل منهما لعقد، أولهما تكلل بالنجاح والرخاء، والثاني امتلأ بالتحديات والصعوبات وصولا إلى المعاناة في بعض الفترات.
وتمر تجربة أردوغان إجمالا باختبار حقيقي، في ظل انتخابات غير محسومة النتيجة لأول مرة منذ سنوات طويلة، وبالتوازي مع حظوظ كبيرة لمرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
عقد الرخاء
وصل حزب العدالة والتنمية حديث التأسيس آنذاك بزعامة أردوغان إلى السلطة عام 2002 في وقت كان الاقتصاد يتعافى فيه من أسوأ ركود شهده منذ السبعينات، بعدما تعهد الحزب بالابتعاد كل البعد عن ممارسات سوء الإدارة ومسببات الركود التي لطالما أصابت الأتراك بالإحباط.
وتولى أردوغان منصب رئيس الوزراء في 2003 بالتزامن مع تراجع حدة تدابير التقشف التي فرضت بموجب برنامج لصندوق النقد الدولي في عامي 2001 و2002.
وقد استفاد من هذا التعافي فضلا عن التقارب الدبلوماسي مع الغرب لتحقيق ازدهار استمر لعشر سنوات، انخفض خلالها كل من الفقر والبطالة.
كما تباطأ التضخم الذي كان في خانة المئات قبل عقد، مما عزز جاذبية الليرة التركية.
وأدت سياسات التيسير المالي الغربية في أعقاب الأزمة المالية عامي 2008 و2009 إلى تدفق الائتمان الأجنبي الرخيص ودعمت طفرة في نشاط التطوير العمراني في تركيا.
وبدا في تلك الفترة أن أردوغان يحلق بعيدا.
سنوات التحديات
لكن الأمور بدأت تتغير في 2013، عندما اجتاحت البلاد احتجاجات اندلعت شرارتها من حديقة جيزي في إسطنبول، وأعقبتها اشتباكات واعتقالات وأحكام بالسجن واسعة النطاق.
وتزامن هذا مع شح الائتمان الميسر مما أدى إلى موجة من هروب الأموال من تركيا.
وشكّل عاما 2012 و2013 نقطة تحول بالنسبة لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يقيس الازدهار باحتسابه بالدولار، فضلا عن التوظيف وغيرهما من مقاييس الرفاه الاقتصادي.
ووفقا للإحصاءات الرسمية لحيازات السندات وبيانات (توركي داتا مونيتور) لمراقبة البيانات التركية فإن تلك الفترة شهدت ذروة الاستثمار الأجنبي. وتراجعت الليرة منذ ذلك الحين بما في ذلك بنسبة 80 % مقابل الدولار خلال السنوات الخمس الماضية مما قلص القوة الشرائية للأتراك.
ويوضح مراد أوجار المستشار لدى جلوبال سورس بارتنرز والمحاضر في جامعة كوتش بإسطنبول أن تزايد الإنتاجية الذي تحقق في السنوات الأولى من حكم العدالة والتنمية بدأ يتراجع بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009 وأن الائتمان أصبح المحرك الرئيسي للنمو وليس الإنتاجية.
وأشار إلى أن هذا، إلى جانب انخفاض القيمة الحقيقية لليرة الذي تفاقم لاحقا، يمثل "أحد التفسيرات المحتملة لهذا التحول في ثروات تركيا منذ عام 2013 - أو لماذا بدأ المواطن التركي العادي يزداد فقرا عند احتساب دخله بالدولار الأمريكي".
حظوظ أردوغان الانتخابية
ثمة جوانب مثل الرعاية الصحية والبنية التحتية والوصول إلى الأسواق لا تزال قوية بعد تحسنها بشكل كبير إثر تولي أردوغان منصبه عام 2003، مما دعم حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه للفوز بأكثر من 10 دورات انتخابية منذ ذلك الحين.
وكتب سونر تشابتاي في كتابه الصادر عام 2021 بعنوان (سلطان في الخريف) أن أردوغان يتمتع "بقاعدة من المؤيدين المحبين والمخلصين (لأن) المواطنين تمتعوا بمستويات معيشية أفضل بكثير من معظم فترات القرن العشرين".
وأوضح أنه قبل وصول أردوغان للسلطة كان معدل الوفيات بين الأطفال الرضع مشابها لما كان عليه الوضع في سوريا قبل الحرب، بينما يشبه حاليا معدل الوفيات في إسبانيا.
لكن على مدار العقد الماضي تفاقمت الانقسامات السياسية في أنحاء البلاد مع لجوء أردوغان لحلفاء قوميين لتأمين أغلبيات برلمانية، قبل أن يقتنص موافقة شعبية في استفتاء لاعتماد النظام الرئاسي الذي جمع خيوط السلطة في قصره.
وانشق بعض المسؤولين الاقتصاديين البارزين عن حزب العدالة والتنمية معارضةً منهم للاستئثار بالسلطات.
ويرى محللون أن تصدعات بدأت تظهر لاحقا في سياسات الحزب بما في ذلك الضغط على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة رغم الأزمة التي تعرضت لها الليرة في 2018 وأواخر 2021.
وقال بولنت جولتكين محافظ البنك المركزي التركي السابق والأستاذ المشارك بجامعة وارتون "يتذكر الجميع حكومة أردوغان الأولى عندما كان يُنظر إليه على أنه يؤسس لاقتصاد شامل. لكنه في الواقع ترك قطاعات غير مسبوقة من المجتمع تعتمد بشكل كامل على الحكومة، وهو أمر غير مستدام".
وهبطت شعبية أردوغان في السنوات القليلة الماضية تحت ضغط التراجعات التي شهدها سعر صرف الليرة واحتدام أزمة غلاء المعيشة نتيجة تمسكه بسياسته لخفض أسعار الفائدة رغم التضخم المتفاقم.
وتقول سيدا ديميرالب رئيسة قسم العلاقات الدولية بجامعة إيشك في إسطنبول "كان أردوغان في الماضي قادرا على الوفاء بتعهداته لأنصاره. إلا أن الأزمة الاقتصادية كان لها تداعياتها. أنصاره لا يزالون راضين عنه وحتى يحبونه لكنهم لم يعودوا سعداء بتحمل التكلفة التي يتطلبها هذا منهم".
aXA6IDE4LjExNy4xNjYuMTkzIA== جزيرة ام اند امز