السودان سلة غذاء العرب يحترق.. صراع على جثة وطن
لا يلعب قطاع التعدين دورا مهما لأن غالبية السكان يعتمدون على زراعة الكفاف رغم أن البلاد موطن لأكثر من 10 معادن نادرة.
تجاوز عدد القتلى المدنيين جراء الاشتباكات المندلعة في السودان، منذ مطلع الأسبوع الجاري، إلى 144، ولليوم الرابع تستمر الاشتباكات المسلحة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و"قوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو.
هذا الصراع المتجدد اليوم، تعيشه البلاد بأشكال مختلفة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ثم العقوبات الأمريكية على البلاد التي تصنف بأنها سلة غذاء العرب لاحتوائها على الأراضي الخصبة والثروات الطبيعية.
ثروات لا تحصى.. ماذا نعرف عن السودان؟
يقع السودان في شمال شرق أفريقيا بين إريتريا ومصر؛ تبلغ المساحة الإجمالية للبلاد 1.861 مليون كيلومتر مربع، ومعظمها أراضٍ صالحة للزراعة بسبب تربتها الخاصة، لكنها غير مستغلة.
نال السودان استقلاله عن البريطانيين عام 1956؛ ودمرته حربان أهليتان رئيسيتان تسببتا في تشريد ملايين الأشخاص، وواجهت مجاعة شديدة وصراعات عرقية.
تشمل الموارد الطبيعية في السودان البترول ورواسب صغيرة من الذهب وخام الحديد والفضة والنحاس والتنغستن والميكا وخام الكروم والزنك.
لا يلعب قطاع التعدين دورا مهما لأن غالبية السكان يعتمدون على زراعة الكفاف؛ بلغ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد قرابة 34 مليار دولار في عام 2021 مقارنة مع 130 مليار دولار بنهاية عام 2017.
وأدى انفصال جنوب السودان عام 2011 إلى تفاوت اقتصادي البلدين. توجد ثلاثة أرباع احتياطيات النفط في جنوب السودان، ويكافح شمال السودان للحفاظ على اقتصاده.
موطن الذهب
بدأ السودان مؤخرا في الترويج لقطاع تعدين الذهب؛ يعتقد خبراء من قطاع التعدين الدولي أن من المرجح أن يكون للسودان العديد من الموارد المعدنية والمعدنية غير المستغلة مثل الذهب والنحاس واليورانيوم وخام الحديد.
وفعلا، يبلغ متوسط إنتاج السودان من الذهب نحو 90 طنا سنويا، إلا أن قرابة 70% منه يتم إنتاجه من جانب السكان المحليين ويقومون بتهريبه للخارج بعيدا عن القنوات الرسمية.
في عام 2017 قفز إنتاج الذهب إلى أكثر من 107 أطنان، واستقر عند متوسط 90 طنا في السنوات اللاحقة بما يشمل التنقيب والتعدين الذي يتم من خلال السكان وتهريبه للخارج، مقارنة مع متوسط 30 طنا سنويا في عام 2010.
وعلى مدى العقد الماضي، أصبح السودان ثالث أكبر منتج للذهب في القارة' في عام 2021، تم استخراج أكثر من 93 طنا من الذهب هناك، 80٪ منها جاء من مناجم صغيرة منتشرة في جميع أنحاء الدولة.
فيما يلي تفاصيل إنتاج السلع المعدنية والمعدنية الأخرى لعام 2020 مقارنة بعام 2019، بحسب بيانات الحكومة السودانية:
- زيادة إنتاج الكرومات بنسبة 303%
- زيادة إنتاج الملح بنسبة 296%
- زيادة إنتاج الأسمنت بنسبة 240%
- زيادة إنتاج الذهب بنسبة 76%
- زيادة إنتاج الفضة بنسبة 53%
- انخفض إنتاج الميكا بنسبة 90%
- انخفض إنتاج الكاولين بنسبة 11%
التربة الخصبة
يمكن أن يكون السودان إحدى أعظم سلال الخبز في العالم؛ لكن بدلاً من ذلك، دفعت النزاعات على الأراضي وارتفاع أسعار المواد الغذائية بها إلى حافة الهاوية.
التضاريس شاسعة ومسطحة ومليئة بالعناصر الغذائية في السودان، بحسب وزارة الزراعة؛ فيما كانت المياه التي يمكن أن تسحبها من نهر النيل القريب وفيرة.
بدأ السودان مجددا يلتفت إلى ثروته ممثلا بالأراضي الصالحة للزراعة والتي تتجاوز 200 مليون فدان، وأكثر من 110 ملايين رأس من الماشية، بعد أن فقط معظم حقول النفط لصالح جنوب السودان.
قامت السلطات السودانية بإحياء حلم البلاد الطويل الأمد في أن تصبح قوة زراعية عظمى؛ منذ أن فقدوا الوصول إلى معظم عائدات النفط في البلاد مع انفصال جنوب السودان في عام 2011.
في عام 2016، استأجرت الحكومة السعودية مليون فدان صالحة للزراعة في شرق البلاد؛ بعد فترة وجيزة، استأجرت البحرين 100000 فدان.
تتميز البلاد إلى جانب الأراضي الصالحة للزراعة، بموقع استراتيجي عبر البحر الأحمر، وحصة 25% من مياه النيل بموجب الاتفاقيات الإقليمية، والكثير منها غير مستخدم.
إلا أن أرقام وزارة الزراعة السودانية، تقدر أن فدانا واحدا من أصل 20 فدانا، مزروع فعلا والباقي بلا أي نشاطات زراعية، والسبب هو الفساد والسياسات غير المتسقة وعدم الاستقرار السياسي ونوبات من الفوضى والجفاف.
كذلك، وعلى الرغم من رفع العقوبات الأمريكية في عام 2017 عن السودان، لكن الوضع المالي غير المستقر للبلد الأفريقي دفعه إلى أزمات حادة، حيث وصل التضخم إلى 350% خلال وقت سابق من عام 2022.
احتل السودان المرتبة 170 من بين 176 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2021 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، ولا تزال الرشاوى في كثير من الأحيان هي الطريقة الوحيدة للحصول على الموافقة في الوقت المناسب على الأعمال الورقية مثل طلبات استيراد الأسمدة.
بلد بحاجة لإعادة بناء
تخيل أن يكون السودان، المصنف أنه سلة غذاء العرب ويملك أراضي زراعية تفوق تلك المنتشرة في الدولة العربية، غير قادر على تلبية احتياجاته من القمح؟ هذه حقيقة.
الأسبوع الماضي، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، إنّ السودان سيحتاج إلى استيراد 3.5 مليون طن من القمح هذا العام، بسبب توقعات بانخفاض محصوله المحلي 30% بعد تحوّل المزارعين إلى زراعة محاصيل أخرى غير القمح.
وقال بعض المزارعين لوكالة "رويترز" إنّ الحكومة لم تلتزم بالشروط التي قطعتها على نفسها عند شراء القمح منهم العام الماضي، مما أدّى إلى تخوّفهم من زراعة القمح هذا العام أو عدم امتلاكهم المال اللازم لزراعته.
وتوقّعت الفاو في بيانٍ لها تعافي إنتاج السودان من الذرة الرفيعة، وهي غذاء أساسي في البلاد، ومن الذرة البيضاء بفضل الأمطار الغزيرة.
وأضافت أنّ واردات السودان المُتوقّعة من القمح ستُشكّل تقريباً كل متطلبات البلاد من الحبوب المستوردة البالغة 3.6 مليون طن.. "سيكون لهذا تأثير كبير على الأمن الغذائي لملايين السودانيين مع استمرار ارتفاع أسعار القمح العالمية وضعف العملة المحلية للبلاد".
وأظهرت بيانات البنك المركزي أنّ السودان استورد 2.7 مليون طن من القمح والطحين العام الماضي بتكلفة 1.06 مليار دولار، وتصدّرت روسيا وأستراليا ورومانيا قائمة البلدان المصدرة.