خلاصة التقارير الاستخباراتيّة السويديّة هي أنّ الإخوان المسلمين على الأراضي السويديّة لديهم مهمّة راديكاليّة الطابع ذات خطر على الدولة.
ماالذي جرى ويجري في الدول الاسكندنافيّة، ولماذا بدا المنحنى البيانيّ لها يمضي تصاعديّا وبصورة مخيفة في الأعوام الأخيرة وعلى النحو الذي يهدّد السلام الاجتماعيّ هناك؟
تساؤل وُضِع على موائد النقاش للحوار مرّة جديدة الأيّام الأخيرة الماضية، بعد قيام متطرّف سويديّ بإحراق المصحف الشريف عمدا، الأمر الذي تسبَّبَ في تظاهرات حاشدة في كبريات المدن السويديّة، وفي غمرة الغضب كانت المواجهات مع الشرطة.
قد تبدو الإجابة مخيفة، إذ إنّها ترتبط بما هو أبعد من السويد، وتشير إلى انتشار المدّ اليمينيّ في عموم أوروبا، ويوما تلو الآخر يكتسب هذا التيّار حضورا على الأرض، لكنّه من أسف حضورٌ يدفع إلى التراجع للوراء، وبعيدا عن قيم الليبراليّة والحرّيّة واحترام عقائد الآخر ومشاعر الإنسان بعيدا عن دينه ومُعتقَده وإيمانه ومذهبه.
في أعقاب الحادث المشين، كانت الشرطة السويديّة تكشف عن جزء من السبب فيما حدث، وقد ألقت باللوم على المتظاهرين المرتبطين بحزب اليمين المتطرّف الدنماركيّ "سترام كورس"، واتّهمتْهم بأنّهم السبب في أعمال العنف وحرق نسخة من القرآن بعدما منعت السلطات السويديّة الدنماركيّ "راسموس بالودان"، زعيم الحزب المتشدّد والمناهض للإسلام من دخول السويد لعقد اجتماع في مالمو، والذي كان من المُقرَّر له أن يسافر لإلقاء خطاب خلال حادثة إحراق المصحف التي وقعت وقتَ صلاة الجمعة.
عُرِفت المدن الاسكندنافيّة بأنّها تضمن لبنيها الرفاهية من المهد إلى اللحد، ما يعني أنّ المسالة ليست خوفا من المسلمين على أراضي السويد، ومزاحمتهم لأبناء الدولة على الخيرات الاقتصاديّة، فهناك ما يكفي الجميع ويزيد، وليس لدى السويد مشكلة في توزيع الدخول، فالأفراد هناك يدركون أعلى مستويات من العيش والأعمال متوافرة، ولهذا تبقى هناك جزئيّة غائبة في المشهد السويديّ.
في الانتخابات البرلمانيّة التي خاضها السويديّون العام الماضي، حصل حزب "ديمقراطيّو السويد"، على أصوات الملايين من السويديّين الأمر الذي تسبّب في صدمة لبقيّة الأحزاب، لا سيّما وأنّ أعضاءه يوصفون بأنّهم من "النازيّين الجدد"، لأنّ أفكارهم مستوحاة من الحزب النازيّ الألمانيّ الذي يضع العِرْق فوق الجميع، وكان الحزب بقيادة زعيمه الشابّ "جيمي أكيسون"، قد فاز لأوّل مرّة بمقاعد برلمانيّة في انتخابات 2020.
والثابت أنّ السنوات التي أعقبت الربيع العربيّ المغشوش وألقت إلى اليمّ عشرات الآلاف من اللاجئين العرب، وبالقدر نفسه على حدودهم البرّيّة، بعد أن فتحت تركيا أبوابها أمامهم عمدا، ما سبَّبَ حالة ارتباك نفسيّة كبيرة للأوروبيّين عامّة وللسويديّين خاصّة، الأمر الذي تُرجِم في تحالفات بين كافّة الأحزاب التي تحمل فكرا متطرّفا مثل "ديمقراطيّو السويد" وحزب المحافظين، وقد وجد هؤلاء وأولئك في الحضور الديموغرافيّ للاجئين المسلمين مبرِّرا ووازعا ينطلقون منه لتبرير خطاب الكراهية القائم على قضايا الهجرة ومآلات المهاجرين.
والشاهد كذلك أنّ المرء لا يستطيع أن يوفّر التأثيرات السلبيّة إلى حد القاتلة التي وفرتها طروحات وشروحات الإسلاموفوبيا في ربوع أوروبا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وكان الأوروبيّون وكما يقول علماء النفس، كان لا بدّ لهم من فزّاعة جديدة يلتفّون من حولها بعد سقوط الاتّحاد السوفيتيّ، ولهذا أوجد البعض ما يُطلَق عليه "الخطر الأخضر" كناية عن الإسلام والمسلمين.
هنا ويوما تلو الآخر تمضي دعوات إشاعة الرعب من الإسلام، وبعض الكُتّاب الأوروبيّين تمادوا في المشهد عبر الترويج لفكرة "أسلمة أوروبا"، ومن بين هؤلاء "ميشال ولباك"، الذي لا ينفكّ يثير الهلع في نفوس مواطنيه.
أضحى خطاب الكراهية مثل النار التي تسرى في الهشيم، وبات هناك على حدّ تعبير البابا فرنسيس فائضٌ من خطاب الكراهية، فائض كفيل بتحويل نهار العالم إلى قلق وليله إلى أرق، وما بين هذا وذاك تنمو القوميّات وترتفع الشوفينيّات ويضحي الأفق التسامحيّ والتصالحيّ ضيقا جدّا، بل يكاد يصل عند نقطة بعينها إلى الاضمحلال مرّة وإلى الأبد، وهذا ما عرفته أوروبا وعن حقّ في منتصف القرن العشرين، حين طحنت حربان عالميّتان الأوروبيّين وأسقطتْ عشرات الملايين من القتلى.
على أنّ البحث الموضوعيّ والمُعمَّق عمّا يجري في السويد يقودنا إلى مفاجأة أخرى موصولة بالتطرُّف الإسلامويّ على الأراضي الأوربيّة، ولا نقول بالوجود الإسلامي، فقد وُجِد الإسلام في أوروبا وانتشر على أراضيها عبر قرون طوال، ولم تحدث مثل تلك المجابهات، فهل من سبب آخر بات يؤجِّجُ اليمين الأوروبيّ المتطرِّف على الإسلام والمسلمين؟.
في دراسة حديثة لِـ"وكالة الطوارئ المدنيّة"، في السويد إحدى أهم وزارات الدفاع والتي تقوم بمثابة الاستخبارت على الأرض، نجد خلاصات مفادها أنّ جماعة الإخوان المسلمين الإرهابيّة، وبكافّة أصولها وفروعها، يسعون جاهدين إلى اختراق مسلمي السويد ونشر مفاهيم الجماعة بينهم واكتساب أعضاء جدد.
هنا تطفو على السطح علامة استفهام أخرى بطبيعة الحال: كيف تمكَّنَ الإخوان من اختراق هيكل الدولة السويديّة خلال العقدَيْن الماضيَيْن، أي مع أوائل الألفيّة الجديدة بنوع خاصّ؟
الجواب يحمله لنا البروفيسور السويديّ الكبير "ماغنوس نورويل"، وعنده أنَّ جماعة الإخوان تمكَّنتْ على مرّ السنين من بناء مؤسَّسات قويّة في ذلك البلد الإسكندنافي البعيد، بعد أن ضمنت عمليات تمويل من الأموال العامّة، وبعد أن أتقنت فنّ الاحتيال في هذا البلد منذ سنين طويلة.
أمّا الباحث السويديّ والخبير في شؤون جماعة الإخوان المسلمين "لوينزو فيدينو"، فيذهب في تحليله لطريقة انتشار الإخوان في السويد إلى القول إنّهم يعتمدون في ذلك على ثلاث فئات من الكيانات السويديّة، أعضاء الإخوان أنفسهم، وشبكات الإخوان غير المباشرة، والمنظَّمات المتأثّرة بالإخوان.
خلاصة التقارير الاستخباراتيّة السويديّة هي أنّ الإخوان المسلمين على الأراضي السويديّة لديهم مهمّة راديكاليّة الطابع ذات خطر على الدولة، ولا ينبغي أن تتلقّى أموالا أو دعما من دافعي الضرائب السويديّين.
هل ذلك مُبرِّر لحرق القرآن الكريم؟
بالقطع لا، ولا يمكن أن يكون الأمر كذلك، فقط الفكرة هي أنّ اليمين المتطرِّف يستشعر ضمن أسباب أخرى خطرَ تفشِّي وتنامي هذا التيّار الإخوانيّ، وقد كانت العمليّات الإرهابيّة التي تعرَّضتْ لها دول أوروبيّة ولا تزال في السنوات الماضية سببا مضافا لتصعيد حالة العداوة من قِبَل اليمين السويديّ، الأمر الذي يدفع ثمنه مئات الآلاف من المسلمين غير المنتمين إلى التيَّارات الإخوانيّة.
أوروبا في حاجة إلى أصوات التصالح والتسامح، وليست في حاجة إلى دُعاة الفتنة والكراهية، وهذه مهمَّة المفكِّرين والمثقّفين التنويريّين في أوروبا أوّلا وفي العالمَيْن العربيّ والإسلاميّ ثانيا، حتّى ينتصر الوفاق على الافتراق، والرجاء على اليأس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة