دير الزور.. معركة الأعداء المتحالفين
بوابة "العين" ترصد أشكال الصراع داخل دير الزور، ودلالة التوافق بين بعض الأطراف المتناحرة سياسيّا
عمليات عسكرية متتالية داخل مدينة الزور السورية الواقعة شرق سوريا، ما جعل المدينة نقطة صراع بين الأطراف المتناحرة بسوريا خلال الفترة الحالية، رغبة في السيطرة على المساحة الأكبر من المدينة الحدودية بين سوريا والعراق.
العملية العسكرية الأولى تقودها قوات جيش النظام السوري التي تمكنت في غضون أسبوع من كسر الحصار الذي فرضه تنظيم داعش الإرهابي على المدينة منذ أكثر من 3 أعوام متتالية، حيث فرض مسلحو التنظيم سيطرتهم على كافة أرجاء محافظة دير الزور بما فيها المركز الإداري الرئيسي في يونيو/ حزيران 2014.
بينما قادت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي، العملية العسكرية الثانية، مستهدفة تشكيل مجلس مدني لإدارة شؤون المدينة بعد طرد عناصر داعش منها.
وترصد "بوابة العين" الإخبارية، أشكال الصراع داخل دير الزور ودلالة التوافق بين بعض الأطراف المتناحرة سياسيا.
أهمية دير الزور
بين العمليتين العسكريتين للجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية تظهر أطراف دولية داعمة لكل عملية دون الأخرى، بالإضافة إلى محاولات داعش الدائمة للبقاء داخل آخر معاقله بسوريا، ما يؤكد أهمية دير الزور، أكبر المدن بالجانب الشرقي السوري، لما تحتويه من آبار النفط ومنطقة البوكمال المشتركة بالحدود مع العراق، حيث تتركز فيها الموارد الصناعية والغذائية، بالإضافة إلى النشاط الزراعي كونها المدينة السورية الأكثر إنتاجًا للقمح والقطن.
"تتقاطع المصالح السياسية والتحركات العسكرية المختلفة بسوريا بين المنظومات والكيانات كالأكراد، وبين الدول كسوريا وتركيا وأمريكا وروسيا؛ حيث يتبع الفريق الأول سياسة دون استراتيجية واضحة، بينما تدير النظم السياسية التحالفات من أجل المصلحة".
بهذا التحليل أوضح المحلل السياسي السوري فراس الخالدي تفسيره لشكل الصراع الحالي بدير الزور، مشيرًا إلى أن العمليتين العسكريتين تسيران وفقًا لتوافق مسبق، لما تمثله المدينة من أهمية استراتيجية.
توافق المصالح
نجحت قوات جيش النظام السوري في كسر الحصار المفروض على مطار دير الزور العسكري منذ يناير/ كانون 2015، حيث تقدمت القوات ميدانيا من مناطق المقابر جنوب غربي دير الزور بحامية المطار، بالإضافة لاستعادة حيي هرايش والطحطوح بجانب المطار.
ولم يكتف جيش النظام بالدخول لدير الزور فقط، بل امتدت تحركاته إلى محور السخنة- دير الزور، وفرض السيطرة على حقل النفط "التيم" ومنطقتي البانوراما والمالحة بالجنوب الغربي لريف محافظة دير الزور، ما يشير إلى إصرار النظام السوري على تطهير كافة أطراف المدينة وتضييق الخناق على داعش بداخلها، حيث تكبد التنظيم الإرهابي خسائر أجبرته على التراجع لمدينة الميادين.
وفي المقابل، توغلت سوريا الديمقراطية المكونة من تحالف كردي عربي للمنطقة الصناعية الواقعة شرقًا، وبمساندة التحالف الدولي تقدمت القوات للأجزاء الشمالية الشرقية من دير الزور، لتصبح قوات سوريا الديمقراطية على بعد 15 كم من أماكن وجود جيش النظام السوري، بعد استعادة الأخير 90% من مساحة المدينة عقب انطلاق عملية "وثبة الأسد".
ومن المثير للانتباه أن يدخل تشكيل سوريا الديمقراطية في معركة جديدة ضد الإرهاب تزامنا مع معركة الرقة التي يتولى إدارتها منذ الـ6 من يونيو/حزيران الماضي، ما يعني أن تأثر العملية العسكرية الحالية ضد داعش بدير الزور كبير على تطورات المعركة بالرقة السورية.
وربما فرض إصرار جيش النظام السوري على خوض المعركة لصالحه، وتمسك سوريا الديمقراطية بدورها في المعركة، إلى سير العملتين العسكرتين بخطوات ثابتة دون إثارة اشتباكات بين الطرفين رغم تباين وجهات النظر بينهما.
ويقول المحلل السياسي فراس الخالدي في تصريحاته لـ"بوابة العين": إدراك النظام السوري وقواته لضرورة إظهار دوره في الحرب الدولية ضد الإرهاب، جعلته يخوض معركة دير الزور بهذا النمط والإيقاع السريعين، ومنحته فرصة لإدارة توافق مؤقت مع قوات سوريا الديمقراطية، وعلى الجانب الآخر تحتاج سوريا الديمقراطية إلى حماية في ظل التوتر المستمر بين الأكراد وتركيا على الحدود السورية – التركية، ما جعل التوافق بين الطرفين في دير الزور ضرورة ملحة للجانبين.
داعش–إيران
وأشار الخالدي إلى أن المطامع التركية القطرية في الحدود السورية وتحديدا في دير الزور، نشأ عنها توافق بين الأطراف المتناحرة وتحديدا بين الإدارة التركية، والتنظيمات الإرهابية مثل جبهة فتح الشام "النصرة سابقًا" وداعش، خاصة أن جبهة فتح الشام مدعومة بشكل مباشر من الجانب القطري، ما أدى إلى توافق آخر مؤقت بهدف تشكيل محور جديد للصراع بسوريا.
وفي الوقت نفسه، تم تداول معلومات عديدة بشأن فرار عناصر تابعة لداعش من دائرة القتال من دير الزور والتوجه إلى الميادين الواقعة على نهر الفرات جنوبي دير الزور؛ حيث انسحبت مجموعات مسلحة عقب هجوم جيش النظام السوري على طريق السخنة – دير الزور بقصف مدفعي، وحصاره لجبل الثردة بريف المحافظة.
ونظرا للضربات المتتالية التي تلقاها داعش في دير الزور، كانت الصفقة المتبادلة بين حزب الله وداعش في الـ26 من أغسطس/ آب الماضي، بمثابة فرصة لإحياء التنظيم المسلح من جديد، حيث وقع حزب الله اللبناني اتفاقا مع تنظيم داعش الإرهابي، ينص على نقل قوافل من مسلحي داعش من الحدود اللبنانية-السورية إلى مدينة البوكمال السورية في ريف دير الزور الواقعة شرق سوريا ومشتركة مع الحدود السورية-العراقية.
وبشأن صفقة حزب الله–داعش، اعتبر المحلل السياسي أن حزب الله كأحد أذرع إيران بالمنطقة، حاول من خلال هذه الصفقة مواكبة العمليات العسكرية، مؤكدا أن هذه التحركات بالمنطقة دليل واضح على أهداف إيران من فرض سيطرتها على الحدود وتقويض حركة الأكراد بسوريا والعراق وإيران وتركيا.
الصراع ينتهي لمن؟
وفي ظل توافق بعض المصالح وتضارب الأخرى، يستنتج فراس الخالدي أن الصراع الحالي في دير الزور ربما يتجه إلى اقتسام جيش النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية نتيجة المعركة، خاصة في ظل الدعم الروسي للنظام السوري، والدعم الأمريكي لسوريا الديمقراطية، مطالبا بإقامة مشروع برعاية عربية دولية يحمي الشعب السوري من التدخلات الإيرانية ويحجّم مسلحي داعش بالمنطقة.