اللجوء والنزوح والهجرة نتائج واقعية لكل صراعٍ عسكريٍّ، تفرضها ظروف أمنية واقتصادية وحتى سياسية، وهذا ما دفع مئات الآلاف من السوريين إلى هجر وترك وطنهم بحثاً عن الأمان ولقمة العيش في أصقاع الأرض.
ومن الطبيعي أنْ تكون الدول المجاورة هي البوابة والوجهة الأولى لأي لاجئٍ يفرُّ بروحه وأطفاله من ساحات المواجهة العسكرية، ولكن لا يعني ذلك أنّ توقُّف الأعمال العسكرية أو هدوء الجبهات كافٍ لعودة ذلك اللاجئ؛ لا سيّما أنّ أمد الحرب في سوريا طالَ، حتى أجهزَ على أي مقوّمٍ من مقوّمات الحياة الإنسانية من بنى تحتية ومساكن واقتصاد، لذلكَ تأتي إعادة اللاجئ وترحيله تعسفياً بالاستناد إلى أبعاد سياسية لا تراعي الجوانب الإنسانية الناظمة والمحددة لمفهوم اللجوء، وهذا ما يعانيه اللاجئ السوري في تركيا اليوم بعد أن بدأ بالمعاناة منه في لبنان من قبل.
لا يشكُّ عاقلٌ بأنّ عدد اللاجئين عبءٌ يُضافُ على أي دولةٍ مُستقبِلةٍ لهم، ولكن هذه الأعباء يتم العمل على حلها وفق تفاهمات دولية وإعمالٍ فاعلٍ لمُنظمات الإغاثة الدولية وتنشيط الطرق الدبلوماسية مع كلّ الأطراف الفاعلة لتحييد قضية اللجوء الآمن عن أي جانبٍ سياسيٍّ لا أنْ يتمّ إخراج اللاجئ قسراً وإعادته إلى نقطة البداية التي انطلق منها منذُ عشر سنوات.
اللاجئ السوريُّ الذي باتَ اليوم بعد سنواتٍ طويلةٍ في تركيا مؤسساً لعمل ما، ومعلماً للأطفال في المدارس وقد بذل الجهود المُضنية في تعلم اللغة وتعليمها لأبنائه، ليجد نفسه في طرفة عينٍ وراء الحدود بلا منزل ولا عملٍ فاقداً سنواتٍ طويلة من العمل والتعلم ليعود إلى مكانٍ لا يأبه لما تعلمه وعمله خلال هذه السنوات؛ فإنه يعيش كابوس حياته بهذه القرارات المجحفة التي تستند إلى قرارات سياسية لا تراعي الجوانب الإنسانية لحياة اللاجئ.
هذا لا يعني أنّ إعادة اللاجئين –من حيثُ المبدأ– أمراً مرفوضاً، كما لا يعني أنّ اللاجئ يجب أنْ يظلّ في مكان لجوئه من دون عودةٍ إلى وطنه، وإنما الأمر يتعلق بالتوقيت والطريقة في إعادة هؤلاء اللاجئين:
أولاً: التوقيت: من المعلوم أنَّ الوضع في سوريا ما زال بلا حلول واضحة أو دائمة على المستويين السياسي والعسكري، وما زال في حالة انهيار متسارعٍ على المستوى الاقتصادي، وأنّ البلاد تعيش حالةً من البؤس والشقاء على صعيد البنى التحتية والخدمات من عمل وتعليم وصحة وحتى من توفر مياه الشرب ورغيف الخبز، علاوةً على أنّ هؤلاء المرحّلين في معظمهم لا يعودون إلى منطقتهم الأم وإنما يعودون إلى منطقة محددة في سوريا لينتقل من صفة لاجئٍ إلى صفةِ نازح، لأن الأوضاع في سوريا ما زالت على ما هي عليه من الخلافات السياسية والأمنية على أقل تقدير، إذ لا إنصاف في إعادة أي سوريٍّ قبل أنْ تتبلور الحلول والتفاهمات الدائمة.
ثانياً: طريقة الترحيل: الترحيل لأي لاجئ يكون بإخطاره وإعطائه فترةً من الزمن ليسوي أموره القانونية والإدارية والبحث عن وجهة جديدة ليرحل عن البلد المرحَّل له ووفق قواعد ثابتة تبيّن له أسباب الترحيل والوجهات التي يمكنه الذهاب إليها، أما أنْ يتمّ فجأةً ومن دون سابقِ إنذارٍ، فهذا يخالف الأعراف الإنسانية للجوء وترحيل الإنسان عن بلدٍ من البلدان، فقد روى الكثير من المُرحّلين السوريين معاناتهم بأنّ ترحيلهم تم فجأةً بعد أيامٍ من الحجز والتوقيف وإخبارهم بأنها مجرد إجراءات أمنية ستنتهي بغضون ساعات ويعودون إلى منازلهم، وينقلون من مكانٍ إلى آخر وإجبارهم على التوقيع على محاضر إعادة طوعية، ثم يُصعقونَ بأنهم صاروا وراء الحدود في مخيمات للجوء أو حتى من دون مخيّمات.
لا شكّ بأنّ عودة اللاجئ إلى وطنه حقيقة ثابتة وحلمٌ يرنو إليه كل هاجرٍ لوطنه، ولكن لا بدّ لهذه العودة من ظروف مناسبة وتوقيت مناسب وطريقة مناسبة، أما أنْ تكون محمولةً بدوافع سياسية تفرضها أصوات مناهضة للاجئين انطلاقاً من دعواتٍ قومية وعِرقية أو ذرائع اقتصادية يفرضها خلل في إدارة الموارد البشرية لتتم عملية الترحيل في توقيتٍ صعبٍ وغير آمنٍ وبطريقةٍ لا تحفظ حقوق اللاجئ، تجعل اللاجئ ضحيةً لمطرقة السياسة على سندان الاقتصاد، وهو ما يخالف القوانين والأعراف الدولية الناظمة لقضيته على أسس إنسانية قبل أنْ تكون سياسية واقتصادية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة