على الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة اشتهرت إقليمياً ودولياً بالتميز والابتكار والتنافسية والتفوق على الصعيد التنموي وفقاً لمؤشرات التنافسية العالمية.
إلا أن طموحات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة لمواصلة مسيرة الصعود الإماراتي في مختلف مجالات وقطاعات التنمية المستدامة، والحفاظ على تنافسية النموذج الإماراتي وضمان جاذبيته، تطلبت رسم سياسة خارجية جديدة تخدم هذه الأهداف وتسعى إلى تحقيقها.
لذا فقد اتجهت الإمارات إلى الإمساك بزمام مبادرة دبلوماسية ومواصلة خطواتها الاختراقية التي بدأت بفتح مسار عربي جديد للسلام مع إسرائيل، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى تحركات عدة وصفت بأنها تستهدف "تصفير المشاكل"، بينما وصفها آخرون بسياسة بناء الجسور وردم الفجوات، واعتبرها فريق ثالث شرق أوسط جديدا يعكس التحولات الجيوسياسية الحاصلة في توازنات القوى الإقليمية.
ولكن الواقع يقول إنها يمكن أن تكون مزيجاً من كل هذه الرؤى والتصورات التحليلية، وقد وضعت الإمارات في مستهل الخمسينية الجديدة استراتيجية طموحة للمستقبل، تضمنتها وثيقة الخمسين، التي نصت على 10 مبادئ ترسم في مجملها خطوات الإمارات في سنواتها المقبلة، وتعد بمنزلة خارطة طريق سياسية واقتصادية وتنموية للمستقبل المنظور، وبالتالي فإن فهم ما وراء التحركات الدبلوماسية الإماراتية يجب أن يبدأ من قراءة دقيقة لهذه المبادئ.
لقد اتجهت دولة الإمارات إلى تبني نهج تشاركي يعكس رؤية الإمارات وميلها الدائم نحو ترسيخ الأمن والسلم الدوليين، فالإمارات لا تسعى للجمع بين المتناقضين كما يتصور البعض، بل تريد تشاركاً بين الجميع وفق رؤية تحقق المصالح المشتركة قفزاً على التناقضات والتباينات من خلال تعظيم المشتركات والبناء عليها وإقصاء الاختلافات والحد من تأثيرها، والانفتاح على الجميع.
وليس مفاجئاً أن تعتمد الدولة التي تمتلك أهدافاً طموحة، كالتي وردت في وثيقة الخمسين، أو التي تعلنها القيادة الرشيدة بأن الطموحات لا سقف لها سوى السماء، تطرق أبواب مصالحها الاستراتيجية أينما كانت، لا سيما أن المسألة لا تتعلق فقط بمكاسب اقتصادية وتجارية، بل برغبة صادقة في نشر قيم التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر.
لقد عكست زيارات أو استقبالات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة لمختلف قادة دول العالم، ومشاركته في مختلف المؤتمرات الدولية والتي كان آخرها المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة في العاصمة الإيطالية روما، تطور السياسة الخارجية للدولة بتطور المعطيات الدولية، مع احتفاظها بسماتها الأساسية المميزة والمتفردة، وفي مقدمتها الفاعلية والدينامكية والهدوء، يضاف إلى ذلك كله السمات الشخصية القيادية والكاريزما التي يتمتع بها رئيس الدولة، وهي سمات تسهم في بناء الجسور وتقريب وجهات النظر وإنجاح جهود الوساطة وتسوية الأزمات، ولا ينفك ذلك كله عن اهتمام الدبلوماسية الإماراتية بالاضطلاع بمسؤولياتها الدولية باعتبارها عضو غير دائم بمجلس الأمن الدولي، لمدة عامين، للفترة 2022-2023؛ حيث أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وقتذاك، أن انتخاب دولة الإمارات العربية المتحدة، لعضوية مجلس الأمن الدولي، يجسد ثقة العالم بالسياسة الإماراتية، وكفاءة منظومتها الدبلوماسية وفاعليتها، مؤكداً أن الإمارات ستواصل مسؤوليتها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية.
وفي المجمل فإن عضوية دولة الإمارات غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي للمرة الثانية لمدة عامين، تمثل فرصة ثمينة لتعزيز دور الدولة ومكانتها وتحقيق رسالتها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية.
تحرك الإمارات على الصعيد الدولي، انعكاساً لرؤيتها الاستراتيجية، رسالة بالغة الأهمية تؤكد تمسك الإمارات برؤيتها الخاصة بأن ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي هما الركيزة الأهم في العلاقات الدولية، وكذلك استشعارها لأهمية دورها في توظيف قدراتها وإمكانياتها الكبيرة لمصلحة تنفيذ التزاماتها ومسؤولياتها كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة، كما تأتي تلك التحركات نتاج رغبة الإمارات في تعزيز التعاون والتكامل والعمل المشترك بشأن مختلف القضايا الدولية بما يخدم تطلعات شعوب العالم نحو الاستقرار والتنمية والازدهار، والارتقاء بالإنسان وضمان مستقبل مزهر للأجيال القادمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة