موجة جديدة من مشاهد الانقلابات مجددا في القارة الأفريقية، بعد هدوء نسبي أعقب انقلابات عدة في مناطق غرب أفريقيا.
وكالمعتاد العسكر هم من يقومون بها ويتسيدون الموقف، خاصة الذين لهم علاقات بالدول الغربية، ولفرنسا دور كبير في تأهيل القيادات الأفريقية العسكرية على مدى العصور، باعتبارها الدولة المستعمرة السابقة لأغلب دول المناطق التي تشهد الانقلابات مؤخرا.
وقبل أن تتجاوز المنطقة إحداثيات الحرب السودانية تفاجأ المجتمع الإقليمي الأفريقي بعملية انقلابية في النيجر، قادها أعضاء من الحرس الرئاسي المقرب من الرئيس محمد بازوم، الذي جاء إلى سدة الحكم من خلال حركة انقلابية أطاحت بالرئيس السابق محمد يوسف.
ورغم التنديدات الأممية والإقليمية بتقويض النظام الدستوري والديمقراطي في البلاد، واصل الانقلابيون الهيمنة على كل مقاليد الأمور في البلد الذي يواجه العديد من التحديات الاقتصادية على الرغم من ثرواته الطبيعية، بسبب سوء الإدارة.
وبدعم من الشارع الذي خرج ضد الحكومة داعما للانقلابيين، أعلن العسكر تسلم مقاليد الحكم محاولين تشكيل ضغط على الرئيس بازوم لتقديم الاستقالة، لكنه لم يقبل أيا من شروط العسكر، مما حدا بهم إلى تعيين قائد الحرس الرئاسي عمر تشياني رئيسا عسكريا للبلاد، عقب يومين من الإطاحة بالرئيس بازوم.
وحاولت المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، ودول المنطقة بقيادة نيجيريا لعب دور الوسيط بين الانقلابيين والرئيس النيجري بازوم، وفي تحرك يعتبر الأسرع من قبل الأفارقة لوضع حل لأزمة متطورة ومتسارعة.
والنيجر كدولة توجد في وسط أفريقيا تشترك مع دول الجوار في العديد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية، حيث تربطها وشائج مختلفة مع الدول التي كانت تستعمرها فرنسا سابقا، ووحدت عملاتها "الشلن الفرنسي"، بالإضافة لتداخل قبلي وعرقي مع دول مثل تشاد، ونيجيريا، ومالي، وبنين وبوركينا فاسو.
وأمام هكذا ملابسات قد ينتقل هذا الصراع، إن تطور أكثر من ذلك، لدول الجوار.
حاول البعض ربط الأحداث في النيجر بأحداث السودان، في ظل تحركات بعض المجموعات العرقية المحددة ما بين السودان وتشاد والنيجر، وهي مناطق ترتبط عرقياتها ببعض المجموعات من القبائل الأفريقية العربية، التي تمتد حدودها من أواسط أفريقيا حتى مناطق دارفور السودانية.
الأيام القادمة كفيلة بأن تكشف تحركات أفريقية كبيرة على رأسها الاتحاد الأفريقي، تحمل في طياتها ملفات عديدة منها الصراع السوداني وأحداث الكونغو ورواندا وغيرها من الملفات التي قد تتأثر بملف النيجر بصورة مباشرة.
هناك اتهامات لجهات عدة بدعم العسكر الذين بدأوا في التحرك وإصدار البيانات، وما بين فرنسا المستعمر السابق والداعم لمعظم القيادات العسكرية في المنطقة، روسيا المنافس الأقوى للدول الغربية في المنطقة، وتحركات فاغنر التي تطل برأسها على المشاهد الأفريقي من وقت لآخر.
ولكن رفض الانقلابيين لتدخل أي قوة خارجية، خاصة فرنسا التي ظلت تلعب أدوارا كبيرة في المنطقة، قد ينفي عنها هذه المرة دعمها للانقلابيين، وكذلك روسيا التي نفت أي علاقة لها بالدعم للحراك النيجري، ورفض الولايات المتحدة المتشدد للانقلاب والدعوة لاستعادة النظام الدستوري في النيجر، تظل بعض التهم موجهة لجهات عدة إقليمية ودولية لها تحركات كبيرة في المنطقة، ولها أهداف ومآرب أخرى فيها من خلال فرض علاقة مع قوى سياسية جديدة في النيجر، للاستفادة من الثروات الاقتصادية وإظهار تحركات سياسية جديدة في منطقة لم يكن لها أي تأثير فيها.
ومع ظهور العلم الروسي الذي رفعه المتظاهرون دعما للمجموعة التي قامت بالانقلاب، منددين بالتدخل الفرنسي قد يؤدي هذا لظهور قوى أخرى في المشهد النيجري، مما قد يعمل على تحول البلاد لأرضية صراع بالوكالة.
التحركات التي ظهرت في النيجر وأدت لانقلاب قد تظهر تدخلات في الملف الأفريقي هذه المرة من وسط أفريقيا، تلك المنطقة التي تواجه دولها تحديات عديدة في ظل كثافة سكانية، واقتصاد يعاني من تحديات عدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة