سيطرة الدولة وبسط يدها مرهون بتكامل حكومي ابتداء ببسط الأمن وتأهيل البنى التحتية والخدمات والتمثيل الإداري.
سنوات والقضية السورية تدور في حلقة مفرغة إذ اتسمت بالتنافر وعدم القبول بالآخر جملة وتفصيلاً، على الرغم من أن القرار الفصل في هذه القضية محكوم بالسياسة الدولية والارتباطات التي كبلت كل طرف من الأطراف السورية بجهة دولية إذ لم تشهد الأزمة منذ اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011 تقارباً سورياً سورياً أو حواراً جدياً مباشراً بين القوى الفاعلة على الأرض سواء من جهة الحكومة السورية أم من جهة المعارضة، ولكن اللجنة الدستورية على أهميتها وما ينتظرها من عقبات ومد وجزر، إلا أنها تتميز بكونها المرة الأولى التي يحصل فيها لقاء جدي بين السوريين معارضة وحكومة ومجتمعاً مدنياً للنقاش حول خط سير البلاد وحلحلة قضيتها, وعلى الرغم من أن الأمر شائك وتكتنفه الكثير من العقبات، إلا أنه ضروري بحكم الواقع للفرقاء كافة، سواء الفريق الحكومي أم الفريق المعارض؛ الجانبان اللذان فرضت عليهما سياسة الأمر الواقع والضرورة السياسية لواقعيهما على الأرض السورية التوافق ولو على مضض بهذا الأمر, والتي يمكن التفصيل فيها لكل منهما:
أولاً: وضع الحكومة السورية: على الرغم من أن الوضع الميداني يمكن تصنيفه على أنه إيجابي بالنسبة لدمشق التي أعادت سيطرتها على مساحات واسعة من الأرض السورية التي كانت فيما سبق محصورة بمنطقة جغرافية صغيرة متقطعة الأوصال، إلا أن هذه السيطرة على تلك المساحات الواسعة واستعادة أغلب المناطق لا تُحكم بالواقع الميداني فحسب بل لا بد لها من ترتيبات سياسية واقتصادية، لأن سيطرة الدولة وبسط يدها لا يقتصر على البندقية فقط بل هو أمر مرهون بتكامل حكومي ابتداءً ببسط الأمن وتأهيل البنى التحتية والخدمات وانتهاءً بالتمثيل الإداري والمؤسسات الخدمية والسيادية، ولكن مثل هذا الأمر لا يمكن تحقيقه دون توافق على حل الأزمة السياسية بين الأطراف السورية السورية، وما ينتج عنها من هدوء وحلحلة دبلوماسية واقتصادية، لأن الواقع الاقتصادي والأزمات السياسية الناتجة عن التصعيد العسكري فرض تراجعاً اقتصادياً على الجانب الحكومي وصل إلى حد الانهيار ومديونية ضخمة وميزاناً تجارياً خاسراً جراء تكلفة الحرب الباهظة، مما جعل الاقتصار على السيطرة العسكرية مجرد استقرار هش لا يؤمَن استمراره كما أن القبضة العسكرية دون تسوية سياسية لا تسهم إلا في تعقيد الوضع وكبح العجلة الاقتصادية، التي في حقيقتها ذات طابع مدني وحركة تجارية وطنية قبل أن تكون عسكرية وخارجية، فكانت اللجنة الدستورية خطوة للأمام وتقدماً على خارطة طريق حل الأزمة السورية.
تشكيل اللجنة الدستورية واجتماعاتها سواء أكانت برغبة كاملة من الفرقاء السوريين أو حتى بضغط من الحلفاء الدوليين على كل فريق منهم فإنها خطوة على طريق الحل، لا سيما على مستوى تهيئة الأجواء للقاءات سورية سورية.
ثانياً: وضع المعارضة السورية: تعيش المعارضة السورية اليوم أسوأ مراحلها على صعيد الوضع الميداني بعد أن خسرت قوتها الضاربة على الأرض وتقهقرت لتستقر بمناطق محدودة في الشمال السوري، الأمر الذي فرض عليها عدم الرهان على العمل العسكري الذي نتج عن فقدان الترابط العضوي الحقيقي بين الفصائل المقاتلة بتعدد ولاءاتها وارتباطاتها بالأجندات الخارجية المكونة لتلك القوة وبالتالي فقدت الورقة العسكرية، فبات لزاماً عليها من حيث المنطق الواقعي على ألا تعوّل إلا على الحل السياسي فيمكن للجنة الدستورية أن تكون مكسباً للمعارضة عدا عن كونها بداية لخارطة طريق الحل، فهي في حقيقتها خطوة عملية تُكسب المعارضة ورقة في المعركة السياسية تجعلها شريكاً مباشراً مع الحكومة في حلحلة الأزمة وإعادة الاستقرار للبلاد على أسس وتفاهمات تضمن للجميع المشاركة في إدارة عجلة البلاد ضمن الضوابط والمصلحة الوطنية، بعد أن فقدت المعارضة القوة اللازمة لفرض أوراقها على الصعيد العسكري.
في حقيقة الأمر أن القضية السورية أكثر تعقيداً من أن تحلها لجنة دستورية رغم تفاؤل المبعوث الأممي غير بيدرسون الذي وصف نتائج انتهاء الجولة الأولى بالإيجابي، وأنها تجاوزت المتوقع إلا أن تشكيل اللجنة الدستورية واجتماعاتها سواء أكانت برغبة كاملة من الفرقاء السوريين أو حتى بضغط من الحلفاء الدوليين على كل فريق منهم فإنها خطوة على طريق الحل لا سيما على مستوى تهيئة الأجواء للقاءات سورية سورية وحوار سوري سوري افتقدته القضية السورية طيلة سنوات أزمتها وبذلك تكون اللجنة الدستورية بوابة الحوار السوري السوري لذلك باتت لغة الهدوء هي السائدة بين الجانبين المتحاربين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة