انقضى عام 2018 وما زالت القضية السورية قائمة على الرغم من أن هذا العام كان إلى حدٍّ ما مفصلياً بالنسبة للقضية السورية.
يمضي عام آخر في مسيرة مأساة العصر السورية ويودع السوريون سنتهم الثامنة أو يكادون ويستقبلون أخرى على أمل الخلاص وطَيِّ صفحات الموت والحرب.
انقضى عام 2018 وما زالت القضية السورية قائمة على الرغم من أن هذا العام كان إلى حدٍّ ما مفصلياً بالنسبة للقضية السورية والاتجاه نحو التهدئة والحلحلة بشهده وقائع جديدة ومهمة على جميع المستويات المرتبطة بالقضية السورية وأزمتها من الواقع السياسي مرورا بالواقع الميداني وانتهاء بالواقع الشعبي.
لم يبق صنف من أصناف المعاناة والألم إلا وجربه السوريون من خوف وقتل وتدمير وتعطيل للحياة وبرد وجوع وعطش وعتمة، إلا أن الإنسان يظل مشدوداً لأمل الخلاص ولشدة معاناته يرى في قطرة الماء نجاة وإن كانت لا تكفي لترويه إلا أنها أفضل من لا شيء
فعلى المستوى السياسي شهد الموقف الدولي عموماً والعربي خصوصاً ليونة تجاه الحكومة السورية وتجاه سبل حل الأزمة بالاتجاه نحو المسار السياسي واحتواء المستوى العسكري والدعوة إلى اتفاق الأطراف والتهدئة ودعم مبادرات وقف إطلاق النار فيما بينها، وعلى المستوى العربي فقد شهدت القضية السورية بعض البوادر بانتهاء القطيعة العربية مع الحكومة في سوريا بدءاً بفتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن وليس انتهاءً بزيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير لدمشق وترقب زيارة الرئيس الموريتاني وإعادة فتح السفارتين الإماراتية والبحرينية في دمشق عقب إغلاقهما نحو سبع سنوات.
أما على المستوى الميداني، فقد شهد عام 2018 تطورات مهمة جداً، إذ تقلصت ساحة الصراع وباتت في مناطق محدودة، إذ شهد هذا العام إسقاط عاصمة تنظيم داعش المتطرف "مدينة الرقة" شرق سوريا، فبات شبه منتهٍ فيما عدا بعض الجيوب الصغيرة التي تعد تحت السيطرة والحصار الخانق في منطقتي هجين والبوكمال القريبتين من الحدود العراقية من جهة محافظة دير الزور، كذلك قد شهدت المناطق السورية عموماً تهدئات وإنهاء لجبهات عدة مثل ريف دمشق وغوطتها ودرعا وريفها وريف حمص وحماة، واللافت في الأمر أنها جاءت بوتيرة سريعة وضمن تسويات واتفاقات وهدن تخللتها بعض المواجهات، إلا أنها مقارنة بما سبق من أوضاع في أعوام سابقة تعد هادئة نسبياً وهذا ما أتى عليه المرصد السوري لحقوق الإنسان بكشفه عن أنّ عدد القتلى من السوريين في عام 2018 بلغ 20 ألفاً، موضحاً أنها أدنى حصيلة سنوية للقتل منذ بداية الأحداث في سوريا.
لا شك أنّ الدماء لا تقاس بالأرقام إلا أن واقع الحال المرير يجعلنا في مجال التصنيف بين المُرِّ والأمَرّ وبمقارنة هذا الرقم بغيره من أعوام الأزمة الثمانية يُظهر انحساراً في مستوى العنف والمواجهات على الجبهات العديدة كما شهد هذا العام على المستوى الميداني تنسيقاً بين الأطراف الداعمة للمتنازعين على الأرض تمثل ذلك بالتنسيق الروسي التركي الإيراني والتواصل مع الأطراف الدولية كافة، وإبرام تفاهمات جنبت الكثير من المناطق نزاعات وصراعات كانت ستزلزل الأوضاع وتجعل الأمور أكثر سوءاً، كالتفاهم فيما يخص إدلب وريف حمص وريف حلب وتجنيب هذه المناطق حروباً وصراعات مدمّرة .
إلا أن هذا التحسن وإن كان طفيفاً ليس محصوراً في المستويات السياسية والميدانية، بل حتى على المستوى الداخلي والشعبي شهد بعض التحسن والانفراج، متمثلاً بعدة نقاط؛ منها تحرك العجلة الاقتصادية وتشغيل بعض القطاعات التي كانت متوقفة كالصناعة والتجارة وتأكيد الأطراف المتنازعة عند الاتفاق على أي تسوية ترك الباب مفتوحاً لمن يريد البقاء في منطقته وتسوية الأوضاع ومنح العفو المؤقت عن الخدمة العسكرية للشباب في تلك المناطق وتسهيل عودة النازحين واللاجئين، إذ شهد العام الفائت، لأول مرة منذ اندلاع الأحداث في سوريا، عودة مئات اللاجئين السوريين من لبنان والأردن، كما وُضعت قوانين وإجراءات لتشجيع العودة من الدول التي لجأ إليها السوريون جراء الأوضاع المؤسفة والصراع العنيف الذي عصف بالبلاد علاوةً على تسجيل تراجع كبير في طلبات اللجوء إلى الدول المجاورة.
لا شك أن الأوضاع في سوريا ليست مثاليةً ولم تصل إلى حل جذري ينهي الخلافات والصراعات ويضع حداً لآلام السوريين ومعاناتهم على مدار ثمانية أعوام ذاق خلالها السوريون كل مرٍّ ومؤلم، فلم يبق صنف من أصناف المعاناة والألم إلا وجربه السوريون من خوف وقتل وتدمير وتعطيل للحياة وبرد وجوع وعطش وعتمة، إلا أن الإنسان يظل مشدوداً لأمل الخلاص ولشدة معاناته يرى في قطرة الماء نجاة وإن كانت لا تكفي لترويه إلا أنها أفضل من لا شيء، وعلى هذا المبدأ فقد كان العام المنصرم مراً إلا أن فيه ما يخفف عن الشعب السوري مرارة الأعوام السابقة ويدفعه لترقب عام جديد عسى أن يكون الحل والخلاص فيه لطي صفحات المعاناة ولملمة الجراح على عمقها وغزارتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة