الاقتصاد عماد الاستقرار ومبعثُ القوة في الحياة للدول ومواطنيها، لا سيما في ظل التطور العالمي وازدياد الاحتياجات للتكنولوجيا والبنى التحتية ومصادر الطاقة.
وهو ما يفقده الاقتصاد السوري ويفتقده المواطن السوري الذي بات تحت خط الفقر بدرَكات سحيقة، فإذا كان آخر تحديد عالمي لخط الفقر يقف عند دولارين أمريكيين للفرد الواحد في اليوم، فإننا - وفق هذه المعادلة - نجد أنَّ المواطن السوري قد بلغ حد الفقر المطلق، إذ يبلغ متوسط دخل الموظف الحكومي 10 دولارات فقط، أي ما يجعل بأحسن الأحوال حصة الفرد في العائلة التي يعولها الموظف إذا بلغت ثلاثة أفراد تقف عند 0.11 سنت يومياً.
لا شكّ أنّ هذه الأرقام مخيفة وقد تبدو صادمة، ولكنها حقيقة مرّة ومأساة سوداء يعيشها المواطن السوري، الذي بات مهدداً بالجوع في ظل عجز الاقتصاد السوري عن النهوض بأعباء متطلبات الدولة والمواطنين، ويعود ذلكَ إلى أسباب عدة:
أولاً: الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد وانسداد الطرق أمام أي حلٍّ يمكن أنْ يُخرجَ سوريا من هذا النفق المظلم والكابوس الجاثم على صدور أبنائها، وعدم تقدم المفاوضات سواء على المستوى الداخلي المتمثل بالأطراف الفاعلة على الأرض والمتمثلة بالحكومة السورية وفصائل المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية أم على المستوى الخارجي المجسّد بالقوى الإقليمية والدولية الداعمة للأطراف الداخلية والمختلفة فيما بينها، الأمر الذي يزيد المشهد تعقيداً، مما يهدد بوصول الأطراف المختلفة إلى نقطة حرجة من اليأس السياسي وعدم التعويل على أي مُخرجاتٍ جديدة لأي خريطة طريق قد تُطرح مستقبلاً، ليكون التعنت أكبر مما هو عليه الآن.
ثانياً: الأزمة الاقتصادية المتعلقة بالعقوبات الأمريكية والغربية على سوريا بعد أن عاشت حرباً طويلة أنهكت البلاد ودمرتها بكل مقوماتها من حجر وبشر، بالإضافة إلى نتائج الحرب التي أتَتْ على المنشآت الاقتصادية والبنى التحتية، وما أفرزته من انقسام مناطقي لسيطرة الأطراف المتصارعة وتشتت الموارد الاقتصادية من محاصيل زراعية ونفطية وتجارية بين هذه الأطراف من دون أنْ تصب في خزينة الاقتصاد العام للبلاد لارتباط هذه الموارد بحسابات الحرب والاستعداد لأي طارئ على الجبهات المتوترة، مما يزيد من هشاشة الاقتصاد وتبعيته للولاءات السياسية والمناطقية والتحالفية التي تتميز بالانتهازية وعدم الشمولية أو التطلع لبناء اقتصاد مستقر.
ثالثاً: الأزمة الإدارية المتشابهة في المناطق الثلاث على الرغم من الاختلاف في السيطرة عليها؛ والمتمثلة بالاعتماد على الحلول التقليدية التي أكل الزمان عليها وشرب، لا سيما فيما يتعلق بإدارة التجارة الداخلية، والروتين والبيروقراطية وربط أي مشروع اقتصادي بمسائل وقضايا أمنية روتينية تعطل عجلة الاقتصاد، بالإضافة إلى سيطرة السوق السوداء على مفاصل الاقتصاد وارتباطها بأشخاص محددين لا بهيئات أو بشركات تعتمد أنظمة اقتصادية واستثمارية فعالة.
كل تلك المعطيات تجعل من الاقتصاد السوري اقتصاداً متهالكاً على شفير الانهيار، مما يهدد بازدياد الوضع سوءاً وجَعْلِ كابوس السقوط الحر لليرة السورية قاب قوسين أو أدنى، مما يُنبئ بكارثة أشد قسوة ورعباً على المواطن الذي باتَ يحلم بلقمة خبزٍ وشربة ماء، فعلى جميع الأطراف ولا سيما الإقليمية والدولية العمل بجدية على تفادي هذا الخطر المُحدق الذي سيؤدي حتماً إلى المزيد من الصراع والهجرة وتقويض الأمن داخلياً وإقليمياً، فالجوع والفقر أصلا كلِّ فساد وصراع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة