مع انتهاء المهلة المحددة في اتفاق سوتشي في 15 أكتوبر تكاد المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الإرهابية أن تصبح خالية من الأسلحة الثقيلة.
مع انتهاء المهلة المحددة في اتفاق سوتشي في الخامس عشر من أكتوبر الجاري، تكاد المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الإرهابية أن تصبح خالية من الأسلحة الثقيلة في المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب، وفي المناطق الشمالية من محافظة حماة، وفي هذا السياق أفادت المصادر التركية أنه تم سحب مائة وحدة قتالية تمتلك أسلحة ثقيلة.
الجانب التركي لا يستقر على موقف أو رأي في موضوع سوريا، فمن جهة يجد نفسه في منظومة أستانا التي تلزمه باحترام سيادة ووحدة واستقلال سوريا أي تجريده مما يطمح إليه، ومن جهة أخرى يعود إلى طموحاته وأهدافه المتعددة، ما يحفزه على رفض التخلي عن تلك الأوراق والتصدي لأي جهة تحاول انتزاعها منه.
الوحدات القتالية بحوزتها عشرات الآلاف من القطع والمعدات القتالية تم التلاعب بإخفائها، والعديد من الفصائل المنضوية تحت القيادة التركية تنفذ أوامر الاستخبارات التركية مثل فصائل الجيش الحر وفيلق الشام والفصائل التي تنضوي تحت ما يسمى تنظيم الإخوان المسلمين، وفصائل مثل أجناد القوقاز وجبهة النصرة والحزب التركستاني وجيش المجاهدين، وكل هؤلاء خرجوا بتصريحات وبيانات أنهم قاموا بعمليات انسحاب، فمن أي منطقة وإلى أي اتجاه سيكون مآلهم ومساراتهم.
هيئة تحرير الشام -جبهة النصرة- سحبت أسلحتها الثقيلة مع فصائل مسلحة أقل نفوذا، وبشكل غير علني، من أجزاء واسعة من المنطقة المنزوعة السلاح، كما قامت بإخفاء أسلحة ثقيلة في مواقع سرية لاستخدامها حين الاشتباكات مع الجيش السوري، ولم تعلن بعد هيئة تحرير الشام موقفا واضحا من الاتفاق الروسي التركي، وهي تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، وتقوم حاليا بسرقات وأعمال هدم للبنى التحتية وتفكيك البناء الحديدي لصوامع الحبوب قرب مدينة سراقب بريف إدلب الجنوبي، وتنوي نقلها إلى أماكن مجهولة.
تساؤلات يستوجب التوقف عندها، ألا وهي مدى التزام جميع الفصائل المسلحة بتنفيذ بنود الاتفاق، وهل تنجح الخطوة الأولى في عمليات تسليم الأسلحة الثقيلة وبشكل كامل، وكيفية إعادة إدلب إلى كنف الدولة وسط انتشار الأعداد الهائلة من المسلحين، وأين سيكون مسارهم فيما بعد، إلى الداخل التركي؟ أم إلى العراق وأفغانستان؟ أم إلى ليبيا وسيناء؟
تركيا نقلت بعض الجماعات المسلحة إلى جبل قنديل وهي تنسق استخباراتيا مع الإدارة الأمريكية، ومع بعض الأطراف الضالعة في التلاعب بالميدان السوري، وهو الأساس عندها، وما عليها إلا الالتزام بكل ما جاء ببنود تفاهمات سوتشي، وإلا فإن تطبيق الاتفاق لابد وأن يتم بالقوة، والمواجهة العسكرية لن تكون في صالح الجانب التركي مهما ابتدع من صيغ المناورات والتحركات العسكرية.
الجيش التركي نقل إلى المنطقة التي سحبت منها الأسلحة الثقيلة، أسلحة وسيارات ومدرعات تركية، تطبيقا للاتفاق الذي ينص أيضا على تسيير القوات التركية دوريات مع الشرطة الروسية، وقد أبدت الفصائل المعارضة رفضها لهذا البند، وأكدت حصولها على ضمانات تركية بعدم دخول الشرطة الروسية إلى مناطق سيطرتها، والجبهة الوطنية للتحرير ترى أن أنقرة قدمت تطمينات للمعارضة بأنه لن يتم تسيير دوريات روسية، ولا يمكن دخول القوات الروسية لمناطق انتشار المسلحين لأنه إضعاف لموقفها، بل هو استفزاز وابتزاز على حد زعمها، وهو خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وكان الطلب من الحليف التركي أنه لا يمكن الموافقة عليه، والموقف الأخير لأنقرة كان سعيها لإقناع موسكو بأن القيام بدوريات في منطقة كهذه سيكون محفوفا بالمخاطر، ومن الأفضل أن يؤول إلى تركيا وحدها أمر تنفيذ الاتفاق على الأرض.
أيضا لا نجد أن هناك إمكانية للمراهنة على موقف تركي اختياري أو تطوعي تلقائي يساهم في حل مسألة إدلب بما يناسب وحدة واستقلال وسيادة سوريا على كامل أراضيها دون إرهاب أو احتلال، وبالتالي يكون من المفيد التعاطي مع الموقف التركي على أساس حقيقته وأهدافه والتصدي لهذه الأهداف بالقوة المتاحة والممكنة.
الجانب التركي لا يستقر على موقف أو رأي في موضوع سوريا، فمن جهة يجد نفسه في منظومة أستانا التي تلزمه باحترام سيادة ووحدة واستقلال سوريا، أي تجريده مما يطمح إليه، ومن جهة أخرى يعود إلى طموحاته وأهدافه المتعددة، ما يحفزه على رفض التخلي عن تلك الأوراق والتصدي لأي جهة تحاول انتزاعها منه.
تركيا حريصة على أن تُظهر نفسها أمام الجانب الروسي الذي هو شريكها وأن الاتفاق يتم تنفيذه بدقة، وكل ما يترتب عليها من مواقف معلنة، وتعلن عن انسحابات في حين أنها لم تكن على ما يرام، عدا وجود عمليات مراوغة بشكل كبير على بعض الجبهات من بعض الفصائل المسلحة التي تستهدف أحياء مدينة حلب بالقذائف المدمرة، وهذا يعني أنه لا توجد نوايا حسنة من قبل الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا، وفي مناطق أبو الضهور شرق إدلب ومنطقة العيس وإلى شمال حماه في صوران يمكن ملاحظة تحرك بعض الفصائل التي قامت بعمليات استعراضية، وسحبت بعض الأسلحة الثقيلة، وتم طمر وإخفاء بعض الآليات الحربية في المحور الجنوبي من مدينة حلب، وذلك بحسب ما صورته طائرات الاستطلاع.
عقد المصالحات والتسويات مع المسلحين، أبرزت القوة السياسية والتحركات الدبلوماسية الناشطة التي يناط أمرها بروسيا للضغط على تركيا، وانتزاع تأييدها بالمشاركة الإيجابية في تنفيذ اتفاقيات سوتشي.
عدد كبير من المسلحين السوريين أصبحوا على قناعة تامة بأن عودتهم إلى كنف الدولة هي الضمان الوحيد لمستقبلهم، وهناك عشرات الآلاف من أبناء مدينة إدلب يريدون الدخول إلى مدينة حلب أو حماه لتسليم أنفسهم إلى قيادة الجيش السوري.
وللحقيقة، فإنه تم نقل أعداد هائلة من الفصائل المسلحة إلى منطقة حارم وشمال اللاذقية وتدعيمها على الجبهات القتالية لمواجهة الجيش السوري، واليوم تركيا على المحك، فهل سوف تجبر الفصائل المسلحة على تطبيق التفاهمات التي تم التوصل إليها؟ أم ستشهد الأيام المقبلة عمليات استفزازية مبعثها عدم الالتزام كاملا بتنفيذ بنود اتفاق سوتشي؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة