من سيحكم الرقة السورية بعد داعش؟
مع انطلاق معركة طرد داعش من الرقة بشمال سوريا يتقافز شبح حرب جديدة حول السيطرة على المدينة لموقعها الاستراتيجي للكرد والعرب والأتراك
مر يومان على إطلاق معركة طرد تنظيم داعش من مدينة الرقة بشمال سوريا، فيما تتطلع الأنظار حول مستقبل المدينة الاستراتيجية ومن سيحكمها بعد انتهاء المعركة.
ومدينة الرقة تكاد تكون المدينة الوحيدة التي يتأجل الصراع الدولي الدائر في سوريا حولها؛ لإعطاء فرصة لجهود طرد داعش منها، ثم يبدأ بعدها الصراع الفعلي بين الأطراف لتحديد المتحكم فيها.
وحاليا تقود "قوات سوريا الديموقراطية"، تحالف غالبيته من الأكراد ومدعومة أمريكيا، المعركة التي كانت تجهز لها منذ إطلاقها عملية "غضب الفرات" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأعلنت عن بدء اقتحام المدينة وإطلاق "المعركة الكبرى" الثلاثاء الماضي، وأنها حررت بالفعل عددا من القرى في ريفها الشرقي.
ومن ناحيته بدأت تحركات الجيش السوري الحكومي تلوح في الأفق بعد طول غياب تجاه الرقة؛ حيث أعلن خلال الـ 48 ساعة الماضية عن سيطرته كذلك على عدة قرى قرب الرقة.
ولمعرفة مستقبل الصراع والحكم في الرقة يلزم معرفة تركيبتها السكانية، فقد كان يسكنها قبل الحرب في سوريا 300 ألف نسمة غالبيتهم من العرب السنة، وبينهم 20% من الأكراد، وفق ما قال الخبير في الجغرافيا والشؤون السورية فابريس بالانش.
وفي مارس/آذار 2013 تمكن مقاتلو المعارضة وجبهة النصرة من السيطرة على المدينة لتكون أول مركز محافظة في سوريا يخرج عن سلطة النظام.
وبعد أقل من عام، فرض تنظيم داعش سيطرته على المدينة ما دفع غالبية السكان الأكراد إلى الفرار منها.
وبعد فرار الأكراد وسكان مسيحيين أرمن وسريان بات، وفق بالانش، "99 % من سكان الرقة من العرب السنة".
فإذا كان أغلب السكان عرب سنة ذوو طابع عشائري، والقوات المتقدمة وتقود المعركة- حتى الآن- غالبيتها كردية ومدعومة أمريكيا، فمن سيدير الرقة بعد انتهاء المعركة إذن؟
تنوي "قوات سوريا الديموقراطية" بعد المعركة "تسليمها إلى مجلس مدني وعسكري من أبناء المدينة بكافة مكوناتهم الاجتماعية والعشائرية"، وفق ما قال المتحدث باسمها طلال سلو لوكالة الأنباء الفرنسية.
غير أن القوات ذات الغالبية الكردية لم تفصح عن جهات أو أسماء معينة في هذا المجلس.
وتثور مخاوف حول مدى التزام تلك القوات في الحفاظ على التركيبة الحالية للمدينة، خاصة مع تصريحات قيادات كردية في وقت سابق أنها تشارك في معركة الرقة وغيرها من معارك الشمال السوري أملا في أن تساعدها الولايات المتحدة في إعلان الدولة الكردية المستقلة.
وعلى هذا فإنه من المتوقع أن ينشب صراع كردي عربي حول إدارة المدينة.
ويرى بالانش أن "الأكراد يطمحون لسيناريو مشابه لما حصل في منبج"، شمال سوريا، والتي سيطرت عليها "قوات سوريا الديموقراطية" في أغسطس/آب 2016.
فبعد السيطرة على منبج، تم إنشاء مجلس مدني لإدارة شؤون المدينة، جعل "قوات سوريا الديمقراطية" المتحكم الفعلي فيها.
ويقول بالانش "توجد في منبج أقلية كردية يعتمد عليها بقوة حزب الاتحاد الديموقراطي (الذراع السياسية للوحدات الكردية)، ولكن هذا لا ينطبق على الرقة".
ويرى المحلل ان "عشائر الرقة ليست جاهزة للقبول بهيمنة كردية".
ويوافقه الرأي النائب في مجلس الشعب السوري فيصل السيباط، وهو أحد وجهاء قبيلة "الولدة"، واحدة من أهم عشائر الرقة.
ويقول السيباط "القوات التي تتقدم باتجاه الرقة لا تحظى بدعم شعبي"، مشيرا إلى أن "من شارك في المجلس لا يمثل أبناء العشائر مطلقاً ولا يمثلون إلا أنفسهم".
ويغلف الضباب مستقبل موقف الحكومة السورية من هذا الأمر.
فقد ترك الجيش السوري الحكومي "قوات سوريا الديمقراطية" تتحرك لوحدها فترة في اتجاه السيطرة على القرى والبلدات المؤدية إلى الرقة.
وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في أحد مؤتمراته الصحفية "نعتقد أن ما يقوم به المواطنون الأكراد في سوريا في محاربة داعش هو أمر مشروع".
ويرى بالانش أن "الجيش السوري لا يريد أن يخسر عناصره لاستعادة الرقة في وقت تتكفل قوات سوريا الديموقراطية بذلك".
غير أن الجيش السوري الحكومي بدأ هو أيضا التحرك الميدان نحو الرقة منذ يومين بالتزامن مع إعلان الأكراد بدء معركة طرد تنظيم داعش منها، ما يشير لأنه يريد أن يكون له موطئ قديم يساعده في تحديد مستقبل المدينة.
ويتقدم الجيش السوري حاليا في ريف حلب (شمال) الشرقي المحاذي لمحافظة الرقة، ويتواجد بالقرب من الحدود الإدارية بين المحافظتين. وتمكن قبل يومين من السيطرة على قريتين في محافظة الرقة.
ويشرح بالانش أن الجيش السوري يتواجد حاليا في منطقة قريبة "في انتظار ظهور مشاكل حتمية بين الأكراد والعرب من جهة والعرب فيما بينهم من جهة ثانية، ليقدم نفسه كعامل استقرار".
ومن الأفضل بالنسبة للحكومة السورية، وفق بالانش، التوصل إلى اتفاق لدخول المدينة. وهو اتفاق يعتمد أساسا على روسيا التي تدعم الجيش السوري الحكومي، وأمريكا التي تدعم "قوات سوريا الديمقراطية".
وفي ذلك يؤكد المتحدث باسم قوات سوريا الديموقراطية طلال سلو أن "مسألة إشراك الجيش السوري في معركة الرقة متوقفة على التفاهمات بين التحالف الدولي (بقيادة واشنطن) والروس".
ومدينة الرقة بؤرة صراع عالمي؛ حيث يتسابق للسيطرة عليها كل من الجيش السوري الحكومي مدعوماً من روسيا وإيران، خاصة أنها محاذية للمدن التي تسيطر عليها دمشق مثل حلب وحمص وحماة ودير الزور.
وهي مطمع للمليشيات الكردية، لأنها محاذية لمدينة الحسكة التي بها وجود كردي كثيف؛ ما يسهل تحقيق حلم الأكراد في بسط نفوذ مستقل لهم.
كما أنها مطمع للجيش التركي ومعه فصائل مسلحة أخرى على رأسها الجيش السوري الحر؛ كونها محاذية للحدود التركية وقريبة من مدن يسيطر عليها حلفاء تركيا مثل إدلب وجرابلس ومناطق بريف حلب، إضافة لأنها محاذية لمناطق كردية في تركيا التي تخشى أن تؤدي سيطرة الأكراد على الرقة إلى حصول وصل جغرافي يحقق مشروع الدولة الكردية.
كذلك تكتسب معركة الرقة زخماً وأهمية خاصة في هذا التوقيت؛ لأنها تتزامن مع المعركة الجارية للقوات العراقية لطرد تنظيم داعش من مدينة الموصل بشمال العراق، وهي المركز الرئيسي لداعش في العراق.
aXA6IDMuMTQ1LjkyLjk4IA==
جزيرة ام اند امز