الأزمة السورية.. هل يحقق "سوتشي" ما فشل فيه "جنيف"؟
5 عراقيل تقلل فرص نجاح مؤتمر "سوتشي" الذي يُعقد برعاية روسيا نهاية الشهر المقبل، وربما تقود إلى فشله.
مع إعلان نحو 40 جماعة معارضة سورية، أمس الإثنين، عدم مشاركتها في مؤتمر "سوتشي" للسلام في روسيا نهاية الشهر المقبل، يواجه المؤتمر المزيد من العراقيل والصعوبات التي تقلل من فرص نجاحه أو ربما تؤدي إلى فشله.
وفي حين لم تتمكن الجولة الثامنة من محادثات جنيف منتصف الشهر الجاري، من إحراز أي تقدم ملموس نحو الحل السياسي، تسعى موسكو إلى إنجاح مؤتمر "سوتشي" الذي يبحث "إصلاح الدستور والتحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية على هذا الأساس".
واتهمت المعارضة السورية موسكو بأنها لا تمارس ضغوطا على الحكومة السورية للتوصل إلى تسوية سياسية، وتسعى للالتفاف على عملية السلام التي تجرى برعاية الأمم المتحدة، كما اتهمت المعارضة موسكو أيضا بارتكاب جرائم حرب في سوريا.
وقال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في إحاطته إلى مجلس الأمن، إن فرصة ذهبية ضاعت في "جنيف 8" لبدء مفاوضات جادة، مشيرا إلى أن وفد الحكومة السورية أصرّ على عدم مناقشة موضوع الدستور حتى استعادة السيادة السورية على كامل الأراضي.
وفي ختام الجولة الثامنة من محادثات العاصمة الكازاخستانية "أستانة" قبل أسبوع، أعادت روسيا إطلاق مشروعها لعقد "مؤتمر الحوار الوطني" السوري، في سوتشي في 29 و30 يناير/كانون الثاني 2018 بمشاركة كل شرائح المجتمع السوري.
وتركز محادثات السلام في أستانة على المسائل العسكرية والتقنية، وتتم بموازاة المحادثات السياسية التي ترعاها منظمة الأمم المتحدة في جنيف، وقد توصلت روسيا وإيران وتركيا في مايو/أيار الماضي في إطار محادثات أستانة إلى اتفاق لإقامة 4 مناطق خفض توتر في سوريا، ما أتاح خفض أعمال العنف لكن دون وقفها بالكامل.
والآن تسعى روسيا التي تتدخل في سوريا عسكريا منذ عامين، إلى التوصل لحل سياسي للأزمة السورية من خلال مؤتمر "سوتشي" الذي ترى المعارضة السورية، أنه "يناقش مستقبل سوريا خارج القانون الدولي والقرارات الأممية".
وهو ما ألمح إليه المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، خلال لقائه وزيري الخارجية والدفاع الروسيين في موسكو يوم الخميس الماضي، وقال إنه لا يوجد بديل لمفاوضات جنيف حول سوريا، وأن مباحثات جنيف عملية معترف بها من قبل المجتمع الدولي وتسير برعاية أممية.
5 عراقيل أمام "سوتشي"
من "جنيف" إلى "سوتشي" مرورا بـ"أستانة"، تظل هناك العديد من الصعوبات التي تواجه نجاح مؤتمرات السلام السورية، والتي تتفاوت وتختلف من مؤتمر إلى الآخر.
لكن في مؤتمر منتجع "سوتشي" الذي يُعقد برعاية روسيا وتركيا وإيران، هناك 5 عراقيل تقلل فرص نجاحه وربما تقود إلى فشله.
أول وأبرز العراقيل هو مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد في مستقبل بلاده، حيث تتمسك المعارضة برحيله ومحاسبته على الجرائم التي ارتكبها منذ عام 2011.
واستبقت روسيا مؤتمر "سوتشي" بالإعلان عن تمسكها ببقاء الأسد في السلطة.
وصرح رئيس الوفد الروسي للمباحثات الدولية حول سوريا في أستانة، ألكسندر لافرينتييف، بأن المؤتمر ينتظر كل من لديه نهج إيجابي، وسيستقبل من لديهم تطلعات إيجابية، ولكن لا مكان لمن أراد استخدام ساحة "سوتشي" من أجل رفع شعارات حول عدم مقبولية بقاء الأسد في السلطة.
وهو ما اعتبرته قوى وفصائل المعارضة شرطا روسيا مسبقا، رغم أن موسكو طلبت من قبل عدم وجود أي شروط مسبقة من الحاضرين إلى المؤتمر.
ثاني العراقيل يتمثل فيما تراه فصائل معارضة سورية من أنه سيكون اجتماعا "بين النظام والنظام"، وأنه محاولة للالتفاف على مفاوضات جنيف في إطار الأمم المتحدة والإرادة الدولية، لتحقيق الانتقال السياسي في سوريا بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي.
وقال رئيس دائرة الإعلام في "الائتلاف الوطني" السوري المعارض أحمد رمضان، إن محاولة روسيا فرض حلّ على السوريين "تمثل تحديا لقوى المعارضة والعالم أجمع"، مؤكدا أنه "لا يمكن تمرير صفقات تخالف قرارات المجتمع الدولي ورغبة الشعب السوري"، مشيرا إلى أنه لا يمكن تمرير هذه الصفقة الروسية في "سوتشي" أو غيرها من خلال سحب البساط السياسي من جنيف.
وكانت فرنسا وبريطانيا استقبلتا بفتور الاقتراح الروسي بإجراء "حوار وطني سوري" في "سوتشي"، وأكدتا ضرورة تجنب السير عكس العملية السياسية في جنيف، وهو ما أشار إليه سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، فرنسوا دولاتر، قائلا: "أي مبادرة تعزز عملية جنيف مرحب بها، لكن أي مبادرة خارج هذه العملية ليست كذلك وستبوء بالفشل".
ثالث هذه العراقيل هو قائمة الحضور من النظام السوري وقوى المعارضة التي ترفض إجراء مفاوضات مع النظام، وأيضا مشاركة أكراد سوريا في ظل رفض تركيا مشاركة أي شخص على صلة بحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي.
وقال الأسد تعليقا على فشل محادثات "جنيف 8" إن "أي شيء أفضل من مؤتمر جنيف، لأنه بعد ثلاثة أعوام لم يُحقق شيئا.. الفارق الأساسي بين جنيف و(مؤتمر) سوتشي الذي نعمل عليه مع الأصدقاء الروس يستند أولا إلى نوعية الأشخاص أو الجهات المشاركة فيه، بالمقابل في جنيف الأشخاص الذين نفاوضهم كما هو معروف، لا يعبّرون عن الشعب السوري.. ربما لا يعبرون حتى عن أنفسهم ببعض الحالات".
وفي دليل على نية موسكو استبعاد بعض المعارضين السوريين من المحادثات، اقترح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "هزّ" المعارضة السورية "بما يخدم المفاوضات المباشرة بين الحكومة والمعارضة ليتساقط منها الراديكاليون الذين لا يزالون حتى الآن منخرطين في آلية التفاوض".
وجاءت مقترحات لافروف بعد يومين من تصريحات رئيس الوفد الروسي في "أستانة" ألكسندر لافرينتييف، أن مؤتمر "سوتشي" لا مكان فيه للمعارضة المطالبة برحيل بشار الأسد.
رابع العراقيل التي تواجه "سوتشي" يتمثل في الاتفاق والتوافق حول الشخص الذي سيتولى رئاسة المؤتمر ومدى الإجماع عليه من قبل روسيا وتركيا وإيران، وكذلك فصائل المعارضة في حال شارك بعضها.
وتردد مؤخرا الحديث حول اسم فاروق الشرع، النائب السابق لرئيس النظام السوري، كرئيس لمؤتمر سوتشي، وهو ما نفته موسكو بعدها بأيام، مؤكدة أنه لا توجد حتى الآن أي ترشيحات لرئيس المؤتمر.
وأعلن الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرنتييف، أن الحديث عن النائب السابق لرئيس النظام السوري فاروق الشرع كمرشح لهذا المنصب مجرد شائعات، مشيرا إلى أن جميع معايير المؤتمر المقبل لا تزال قيد الدراسة، ولا وضوح حتى الآن بشأن من سيترأسه.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، أنها تعمل على قدم وساق حاليًا لوضع قائمة المدعوين للمشاركة في المؤتمر، مشيرة إلى أن المحادثات تتركز على إنشاء لجنة دستورية لوضع ملامح دستور سوريا الجديد.
خامس هذه الصعوبات هو اللجنة الدستورية التي تعتزم موسكو تشكيلها خلال المؤتمر، والشخصيات التي ستشكل هذه اللجنة التي ستحصل على تفويض عام من الشعب، وستُعنى بإجراء إصلاحات دستورية في البلاد، تمهيدا لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية برقابة دولية بموجب القرار 2254.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوجدانوف، إنه من المعتقد أن يتم تشكيل لجنة دستورية يشارك فيها من 1500 إلى 1700 شخص، وذلك خلال مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي.
وأضاف بوجدانوف "أن اللجنة ستحصل على تفويض عام من الشعب السوري، مشيرا إلى أن ممثلي الشعب بأسره يعتبرون مصدرا للتشريع حول جميع المسائل، بما في ذلك بدء إصلاح دستوري.
وأوضح أنه "سيتم تشكيل مجموعات عمل خاصة، ويمكنها الاجتماع لاحقا في جنيف"، داعيا جميع المجموعات السورية للمشاركة في مؤتمر "سوتشي"، مشيرا إلى أنه يتم تشكيل القوائم بالتشاور مع تركيا وإيران.
فهل تتمكن جولة الحوار السوري الجديدة في منتجع "سوتشي" جنوب روسيا نهاية يناير/كانون الثاني من العام المقبل 2018، من تجاوز هذه العراقيل والتقدم نحو حل نهائي يضمن أمن واستقرار سوريا في الفترة المقبلة، أم يصبح كغيره من الجولات السياسية التي تفشل في الوصول إلى حل يخفف من معاناة الشعب؟.
aXA6IDMuMTM2LjI2LjE1NiA= جزيرة ام اند امز