كل المؤشرات والدلائل تقول إن حربا طاحنة ستدور في إدلب وإن من سيدفع الثمن مرة أخرى هم السكان المدنيون المسالمون
لم يتوقف الإعلام التركي مطولا عند موضوع مرور عامين على عملية "درع الفرات" في جرابلس والباب السوريتين، السبب قد يكون الانشغال بالورطة التركية في مستنقع إدلب واحتمال تحولها إلى مصيدة محلية-إقليمية تطيح بكل خطط أنقرة وأهدافها السورية.
إشعال فتيل الانفجار في إدلب بما لا تشتهيه السفن التركية يعني ترك أنقرة أمام الرياح العاصفة ومأزق المفاجآت الكثيرة وغير المحسوبة جيدا، واستقبال عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الجدد الهاربين من مسرح العمليات العسكرية ثم إضعاف نفوذها وتموضعها العسكري والسياسي في المنطقة
أنقرة وعند انطلاق العمليات العسكرية قد لا تحافظ على النفوذ والدور وفرصة التمدد والانتشار التي تتمتع بها اليوم في المدينة، وعلى ضوء تفاهمات الأستانة ولأكثر من سبب: الجهود السياسية والدبلوماسية التركية لم تسفر حتى الآن عن إقناع مجموعات النصرة بتسليم أسلحتها ومغادرة المنطقة أو حل نفسها والالتحاق ببقية قوى المعارضة السورية المعتدلة التي تدعمها هي، كما أن إيران والنظام في سوريا يريدان حسم موضوع مصير إدلب بعدما ترددت تركيا كثيرا في تنفيذ تفاهمات الأستانة 6 حول وضع المدينة، وموسكو غاضبة وتحمّل أنقرة مسؤولية التأخير في حسم الملف هناك، ما أعطى واشنطن فرصة إطلاق تهديداتها للنظام والتدخل المباشر في الملف.
إشعال فتيل الانفجار في إدلب بما لا تشتهيه السفن التركية يعني ترك أنقرة أمام الرياح العاصفة ومأزق المفاجآت الكثيرة وغير المحسوبة جيدا، واستقبال عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الجدد الهاربين من مسرح العمليات العسكرية ثم إضعاف نفوذها وتموضعها العسكري والسياسي في المنطقة، إلى جانب تركها في مواجهة مباشرة مع حلفائها المحليين في سوريا الذين راهنوا على دورها في حمايتهم من هجمات النظام وغضب النصرة فتُركوا وسط خيبة أمل كبيرة.
يقول وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، إن تركيا هي من أفضل الدول التي نتفاهم معها في المنطقة لكن القيادات العسكرية الإيرانية الرفيعة تضع، بالتنسيق مع دمشق، اللمسات الأخيرة على عملية إدلب الموعودة والتي قد لا تنتظر القمة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية المرتقبة في تبريز.. فهل هذا هو سبب إشادة ظريف بتركيا؟
6 لقاءات عقدت بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرجي لافروف خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار يلتقي الروس للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع.. المحادثات تركزت في غالبيتها على إيجاد مخرج لورطة إدلب دون فائدة.
موسكو تحذر أنقرة من سيناريو استفزازي قد تقدم عليه واشنطن في إدلب إذا ما تمسكت برفض التحرك العسكري للنظام، وذلك عبر إشراك "قوات سوريا الديمقراطية" في المعركة رغما عن الروس والإيرانيين، أو استغلال ورقة استخدام الأسلحة الكيماوية في المواجهات، ما يعطيها الذريعة لضرب قوات النظام وعرقلة العملية العسكرية بأكملها، فكلام وزير الخارجية الإيراني قد يكون إذا مؤشرا على التحول المرتقب في الموقف التركي حيال العملية العسكرية التي يلوح بها النظام السوري يوميا.
بين ما يقلق أنقرة ولا نعرف الكثير عنه هو نتائج لقاء المستشارين الأمريكي بولتون ونظيره الروسي باتروشيف قبل أيام، في العلن يدور الحديث عن أن الفجوة ما زالت واسعة بين الجانبين في الملف السوري، لكن في الخفاء احتمالات التفاهم على صيغة تتجاوز إدلب وتصل إلى الملف السوري بأكمله كبيرة بأعين الكثير من الأتراك، فعندما يهدد بولتون بأن بلاده سترد بقوة على أي هجوم كيماوي أو بيولوجي في إدلب، وتتحرك موسكو لتحذير واشنطن من اتخاذ أي "خطوات طائشة" هناك، وتعلن وزارة الدفاع الروسية انضمام فرقاطتين عسكريتين إلى مجموعة سفنها المرابطة في البحر المتوسط، وأن المدمرة الأمريكية «يو أس أس سوليفان» وصلت إلى المنطقة محملة بـ56 صاروخاً من طراز «كروز» بهدف تنفيذ ضربة على سوريا، تكون أنقرة وبحسب واشنطن وموسكو على السواء، من يتحمل المسؤولية الأكبر بسبب تأخرها وترددها في حسم موقفها ضد مجموعات "هيئة تحرير الشام" وإيصال الأمور إلى هذه النقطة من التوتر.
أنقرة كسبت الوقت في إدلب بعدما نجحت في إقناع روسيا بخطة التحرك وفقا لسيناريو جرابلس والباب وعفرين، وهي تحذر من الخيار العسكري في إدلب لكنها تتحمل مسؤولية التعهد بحسم موضوع الجماعات المتشددة المحسوبة على بقايا النصرة هناك دون إنجاز المهمة حتى الآن، والثمن الذي ستدفعه سيطال مسألة نفوذها في المدينة التي هي جزء من مناطق خفض التوتر التي أقيمت في إطار تفاهمات الأستانة الثلاثية، دون إهمال حقيقة أن التوافق على سيناريو لتسوية الوضع شمال غرب سوريا بما يراعي المخاوف التركية والتطلعات الروسية يزداد صعوبة أمام التعنت الإيراني والدخول الأمريكي على الخط.
كل المؤشرات والدلائل تقول إن حربا طاحنة ستدور في إدلب وإن من سيدفع الثمن مرة أخرى هم السكان المدنيون المسالمون الذين هربوا إلى المنطقة كملاذ آمن قريب من الحدود التركية تحت الضمانات الثلاثية لتفاهمات الأستانة، وأن قطع الطريق على الخيار العسكري شبه مستحيل لأن أكثر من لاعب محلي وإقليمي يريد حصته في التفاهمات والاصطفافات الجديدة، ما يزيد الأمور تعقيدا.
لا نعرف تحديدا من الذي سيشعل فتيل الانفجار في إدلب لكننا نعرف أن الثمن سيكون باهظا على الكثيرين وبينهم أنقرة، فهناك سباق بين أكثر من خطة وسيناريو تلتقي في غالبيتها عند سحب الكثير من الأوراق من يد أنقرة في المدينة، فلول "النصرة" في إدلب يرفضون أن يتحمّلوا وحدهم الخسائر في المنطقة حتى ولو كانت النتيجة القضاء عليهم.
مرة أخرى يبدو أن فرص التوصل لحل على الطريقة التركية في إدلب تتراجع وأن مشروع قطع الطريق على المزيد من التدخلات الدولية والإقليمية في الأزمة تتضاءل خصوصا بعد المحادثات الأمريكية الروسية الأخيرة واحتمال إنجاز التفاهم الروسي الأمريكي في إدلب لحسم موضوع "النصرة" في إطار تفاهمات تشمل الملف السوري.
لم يعد الإعلام التركي يتحدث عن سيناريو وجود صيغة تفاهمات تركية روسية تقضي بانسحاب الجيش السوري من حلب، لتنتقل السيطرة على المدينة إلى تركيا، كان مجرد بالون إعلامي لقطع الطريق على أنباء مضادة تقول إن قوات النظام السوري تستعد لدخول إدلب وإخراج التنظيمات الإرهابية منها ورفع العلم السوري هناك.
يقول وزير الخارجية التركي في موسكو وأمام نظيره الروسي، إن الحل العسكري في إدلب سيؤدي إلى كارثة وإن أنقرة تريد المزيد من الوقت لوضع حد لجبهة النصرة، لكن طهران والنظام في سرعة من أمرهما لتركيز نفوذهما قبل أي عمل عسكري أمريكي محتمل، أنقرة في إدلب في موقع من يجلس بين فكي كماشة المتطلبات البرجماتية الروسية والتصعيد الإيراني عبر النظام في دمشق وخيارها المتبقي هو استباق التحرك العسكري ضد "هيئة تحرير الشام" حتى لا تخرج من العرس بلا قرص.
المؤكد تماما هو انطلاق العد العكسي في عملية إدلب العسكرية، لكن الغامض هو كيف ستتشكل الجبهات ومن سيدخل في المواجهات وكيف سيكون شكل الخارطة الميدانية الجديدة في المدينة وحولها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة