الوجود الأمريكي على الأرض السورية بغطاء التحالف الدولي الذي أنشأته إدارة الرئيس باراك أوباما في سبتمبر 2014، بات بحاجة لأوراق جديدة.
الوجود الأمريكي على الأرض السورية بغطاء التحالف الدولي الذي أنشأته إدارة الرئيس باراك أوباما في سبتمبر 2014، بات بحاجة لأوراق جديدة بعد احتراق ورقة تنظيم داعش وانتفاء المزاعم المترتبة على وجوده لمحاربته والقضاء عليه.
عندما تقول واشنطن إنّها تريد السيطرة على ثلث الأراضي السورية وتحصيل 90% من النفط ونصف الغاز الذي تنتجه سوريا ثمنا لتنفيذ مشروعها القاضي بإخراج إيران ومليشياتها المتطرفة، فإنّ هذا سيحمّل البلاد عبئا أكبر مما هي عليه الآن، خاصة مع الأصوات التي تتهم الحكومة الحالية بتسليم البلاد إلى روسيا وإيران
في الواقع تسعى الإدارة الأمريكية الحالية متمثلةً بالرئيس دونالد ترامب، إلى إيجاد أوراق أخرى تمنحها ذريعة للبقاء على الأراضي السورية، بعد أن كان وجودها مرهوناً بهذا التنظيم المتطرف ومحاربته حتى التخلص منه بشكل كامل.
تطالعنا إدارة ترامب اليوم باستراتيجية جديدة تنوي من خلالها البقاء على الأرض السورية إلى أجل غير مسمى على خلاف ما كان يتحدث به المسؤولون الأمريكون منذ وصول ترامب للسلطة قبل نحو عامين، عازية ذلك إلى ثلاثة أسباب تتمثل بالقضاء على الإرهاب وإنهاء الوجود الإيراني في سوريا واستقرار الأوضاع فيها بإنهاء أزمتها وإقامة دولة متوافق عليها بين جميع الأطراف.
مرتكزات ثلاثة في غاية الأهمية لو أنّ واشنطن تبحث تحقيقها من دون ثمن فهذه الاستراتيجية ليست إلا بوابة لمنح الإدارة الأمريكية مزيدا من الوقت لتحقيق أهدافها المتمثلة بالسيطرة على منطقة شرق الفرات الاستراتيجية التي تشكل مساحتها ما يقارب ثلث الأراضي السورية، كما أنّها السلة الغذائية والاقتصادية لسوريا إذ أّن هذه المنطقة تنتج 90% من عائدات النفط والغاز على البلاد وأكثر من نصف القمح والقطن، هذا فيما يخص الجانب الاقتصادي وهو الجانب الذي تلهث وراءه إدارة الرئيس ترامب التي تتعامل مع القضايا العالمية بعقلية المكاسب المادية.
أما من الناحية الاستراتيجية والعسكرية فالمنطقة تعد امتداداً لمناطق النفوذ الأمريكي في العراق، وهذا ما يسّهل عملية ربطها ببعضها، كما أنّها قد تكون بديلاً لقاعدة أنجرليك على الأراضي التركية القريبة منها بعد سوء العلاقات التركية الأمريكية .
عندما تقول واشنطن إنّها تريد السيطرة على ثلث الأراضي السورية وتحصيل 90% من النفط ونصف الغاز الذي تنتجه سوريا ثمنا لتنفيذ مشروعها القاضي بإخراج إيران ومليشياتها المتطرفة، فإنّ هذا سيحمّل البلاد عبئا أكبر مما هي عليه الآن خاصة مع الأصوات التي تتهم الحكومة الحالية بتسليم البلاد إلى روسيا وإيران، لذلك لن تمر هذه الاستراتيجية ولن يُكتب لها النجاح لكثرة العقبات التي ستعترضها، والتي تنقسم إلى شقين اثنين :
الأول: يتعلق بالداخل السوري وطبيعته الاجتماعية والسياسية، والثاني: متعلق بالأجواء والسياسات والمصالح الدولية.
أمّا على الصعيد الداخلي فإنّ الوجود الأمريكي على هذه الأرض مرفوض من قبل الدولة السورية، وهي دولة معترف بها، بالقوانين الدولية وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهذه عقبة قانونية دولية تعترض هذه الاستراتيجية، ثم إنّ من تعتمد عليهم الولايات المتحدة لتنفيذ أجنداتها في هذه المنطقة والمتمثلين بقوات "قسد" ذات الأغلبية الكردية، تسير مع الأمريكيين بحذر شديد، بعد أن خذلت الولايات المتحدة المشروع الكردي في العراق، وعدم مساندتهم في حربهم ضد الأتراك في عين العرب وعفرين، وهذا ما دفع الكرد إلى فتح أبواب وخطوط التفاوض واسعة ومباشرة مع الدولة السورية، ليس هذا فحسب فالمنطقة من الناحية الاجتماعية تحتكم للعشائرية والقبلية العربية التي تدين بولائها للدولة السورية، وتقف ضد المشاريع الانفصالية والاستعمارية، والحساسية تجاه الوجود الأمريكي مرتفعة جدا.
أمّا فيما يتعلق بالجانب الإقليمي والدولي من عقبات أمام المشروع الأمريكي، فيتلخص بعدة نقاط، أبرزها التنافس الروسي الأمريكي والمتمثل بصراع النماذج ومحاولة الروس كسر قاعدة القطب الأوحد وإثبات صوابية النموذج الروسي في التدخل العسكري بسوريا، وأنّه الأصلح لا النموذج الأمريكي الذي جُرب في العراق من دون الرجوع إلى الشرعية الدولية أو طلب بغداد ذلك، على عكس ما يتحدث به الروس بأنّهم ليسوا محتلين وإنّما جاؤوا بطلب من النظام السوري .
كما أن الجانب التركي، وإن كان حليفاً للولايات المتحدة وصديقا للروسي، إلا أن تنفيذ هذه الاستراتيجية الأمريكية من خلال دعم فصائل تصنفها تركيا إرهابية وتعمل على تطويقها والحدّ من توسعها، يعد عقبة لا يمكن تجاهلها، لذلك لن تقبل تمرير هذه الاستراتجية ولن تدخر جهدا لمعارضتها وعرقلتها.
من الممكن اعتماد واشنطن سياسة الأمر الواقع وإبقاء قواتها ونفوذها شرق الفرات خاصة في ظل الهوان الذي تعاني منه جميع الأطراف المتحاربة على الأرض السورية الداخلية منها والخارجية، إلّا أنّها لن تستطيع الاستمرار في ظل كل هذه المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية، عنده نستطيع القول بأنّ سياسة الأمر الواقع لا تصلح إلا لتحقيق مصالح مؤقتة، لا مصالح استراتيجية على المدى البعيد؛ لذلك ستفشل هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة عاجلا أو آجلا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة