كيف يسهم الغزو التركي في عودة "داعش"؟
ثمة مؤشرات عديدة عززت المخاوف من عودة تنظيم داعش الإرهابي إلى تموضعه في سوريا بعد العدوان التركي الغاشم
تصاعدت المخاوف من عودة ولادة تنظيم داعش الإرهابي نتيجة للعدوان التركي على الأراضي السورية شمال شرقي البلاد، إضافة إلى غارات جوية قامت بها أنقرة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري في شمالي العراق طالت معسكرات حزب العمال الكردستاني.
وترسخت هذه المخاوف بعدما أوقفت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حربها ضد تنظيم داعش، لاستحالة تنفيذ أي عملية في ظل التوغل التركي في الشمال السوري والتهديد الذي يطال عناصرها.
وتحرس "قسد" منشآت سجون تضم نحو 11000 إرهابي من داعش، بينهم نحو 9000 سوري وعراقي، و2000 من نحو 50 دولة أخرى رفضت حكوماتهم إعادتهم، كما يديرون مخيم "الهول" الذي يضم عائلات داعش.
عوامل ضاغطة
ثمة العديد من العوامل التي تساهم في عودة سريعة لتنظيم داعش في سوريا والعراق، أولها مهادنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوغل العسكري التركي شمال سوريا، وتخليه عن دعم الأكراد.
ورغم دور لا تخطئه عين للقوات الكردية في هزيمة "داعش" مقابل اتهامات لتركيا بإدارة علاقة مع الكيانات المسلحة، وتحولها في أوقات عدة من ممر إلى مستقر لقيادات إرهابية فإن الولايات المتحدة غضت الطرف عن العدوان التركي الغاشم على سوريا.
وفي تغريدة له قال ترامب، إن تركيا ستتحمل مسؤولية إبقاء أسرى تنظيم داعش في السجون، وعدم فسح المجال أمام التنظيم لإعادة تأسيس نفسه، مضيفا أن "واشنطن تتوقع من تركيا الوفاء بالتزاماتها"، مؤكدا أن "بلاده ستراقب الأوضاع عن قرب".. لكن في المقابل، لا تمتلك تركيا القدرة على التعامل بشكل آمن ومناسب مع إرهابيي داعش المعتقلين منذ فترة طويلة لدى الأكراد.
وثانيها يتعلق برفض الدول التي لها رعايا منتمون إلى "داعش" في معسكرات الاحتجاز شرق سوريا، تحمل مسؤولية استعادة مواطنيها وأطفالهم لاعتبارات إنسانية وفي ظل أطرها القانونية وبحث كل حالة على حدة.
خلف ما سبق، فإن تركيا ربما لا تستطيع السيطرة على عناصر "داعش" حال إعادة انتشارها، خاصة مع تصاعد الفكر الداعشي المتطرف داخل معسكر الهول في شرق سوريا الذي تتولى قوات "قسد" إدارته وحراسته.
ويعد من أكبر المخيمات في العالم وأخطرها حيث يعيش فيه نحو 74 ألف من عائلات الدواعش، حسب تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما أنه لم يعد مجرد معسكر لإيواء واحتجاز العناصر "الداعشية"، خاصة من النساء والأطفال، بل أصبح يمثل بؤرة للعنف والتحريض، في ظل سيطرة الفكر "الداعشي" عليه بشكل ملحوظ.
وثمة مؤشرات عدة عززت المخاوف من عودة "داعش" إلى تموضعه في سوريا، يمكن بيانها على النحو الآتي :
انسحاب واشنطن
يتوقع حدوث انتعاشة لافتة لتنظيم داعش مع انسحاب القوات الأمريكية من بعض مدن شمال شرقي سوريا، وبخاصة "رأس العين وتل أبيض" في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وهي المدن الواقعة على الشريط الحدودي مع تركيا.
والأرجح أن الموقف الأمريكي يثير الكثير من علامات الاستفهام، ورغم محاولة الرئيس ترامب طمأنة الأكراد فإن توجهاته بشأن التوغل التركي، ورفضه انخراط واشنطن في دعم عناصر "قسد" في مواجهة العدوان التركي.. قد يوفر بيئة حاضنة لعودة تنظيم داعش على الأرض، ويؤكد على ذلك تأكيد وزير الدفاع مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، أن "العملية التركية ستكون مسؤولة عن ظهور جديد للآلاف من إرهابيي داعش".
في سياق متصل حذر عدد من نواب الكونجرس من أن هجوم تركيا على الأكراد سيمكن مسلحي "داعش" من الهروب، والعودة لساحة المعركة من جديد.. كما انتقد السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام -المقرب من ترامب- قرار الانسحاب من شمال سوريا، ووصفه بالكارثة. وقال إنه سيطرح مشروع قانون في مجلس الشيوخ يدعو لإبطال هذه الخطوة.
استهداف سجون داعش
كشف قوات سوريا الديمقراطية -في تغريدة على حسابها الرسمي- أن سجنا به عدد من معتقلي داعش تعرض للقصف في غارة جوية تركية، وتثير هذه الأنباء مجددا القلق من إمكانية هرب مقاتلي داعش وقيامهم بعمليات جديدة، بعد أن تم دحرهم على يد هذه القوات بمساعدة أمريكية.
والأرجح أن قصف سجون "داعش" قد يسمح لخلاياه النائمة بتحرير مقاتليه المعتقلين وأفراد عائلاتهم المحتجزين، وهو ما "سيشكل تهديدا للأمن المحلي والدولي". فضلاً عن أنه يوفر للتنظيم فرصة لإعادة تشكيل هياكله التنظيمية وتشكيلاته العسكرية في حال تم إطلاق سراح الآلاف من مقاتليه وعائلاتهم المحتجزين في مراكز الاعتقال شمال سوريا.
تراجع قدرات "قسد"
ثمة قلق من أن يؤدى الغزو التركي في شمال سوريا إلى إضعاف قدرات قوات سوريا الديمقراطية، وعجزها عن الاستمرار في حراسة السجون في حال إطالة زمن التوغل التركي، حيث تجد قوات "قسد" نفسها مضطرة إلى القتال في جبهتين وهما القوات التركية وفلول تنظيم داعش.
وأصدرت أمس قوات سوريا الديمقراطية بيانا أكدت فيه، أن العملية التركية في شمال وشرق سوريا سيكون لها تأثير سلبي كبير على الحرب ضد "داعش"، مضيفة أن أي هجوم تركي سيجهضُ نتائج سنوات من العمليات الناجحة التي قادها الأكراد في الحرب ضد تنظيم داعش، وأن الهجوم التركي قد يتيح المجال أمام بعض قادة التنظيم الإرهابي للخروج من مخابئهم، ومباشرة أنشطتهم الإرهابية .
صعود الخلايا النائمة
برغم تعرض تنظيم "داعش" لهزيمة ساحقة في آخر معاقله بمخيّم الباغوز في ريف دور الزور الشرقي، في مارس/أذار الماضي، لكنّ هناك مؤشرات تدلّ على استمرار حيوية "الخلايا النائمة" التي تتبع التنظيم، وتنشيط في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك في الصحراء السورية المترامية الأطراف، حيث يشنّ عناصر "داعش" هجمات انتحاريةً ضد كمائن لقوات الجيش السوري.. وكشفت عدة تقارير في 14 أبريل/نيسان 2019، عن أن تنظيم "داعش" لا يزال لديه العديد من عناصره مندسين بين النازحين.
تنامي العنف داخل "مخيم الهول"
يمثل مخيم الهول قنبلة موقوتة بالنظر إلى ضخامة الأعداد المحتجزة داخله من عناصر تنظيم داعش، وشهد المخيم في نهاية سبتمبر/أيلول المنقضي حوادث اعتداء وفوضى خصوصاً في القسم المخصص لعائلات مقاتلي التنظيم الأجانب.
ووفقاً لتقرير أعده معهد دراسات الحروب في واشنطن مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فإن مقاتلي التنظيم يقدمون على رشوة حراس السجن وجمع الأموال لتهريب النساء الإرهابيات خارج المخيم، وهو ما يثير القلق من أن يكون التنظيم "بصدد الإعداد على الأرجح لعمليات أكثر تنظيما وتنسيقا لإطلاق سراح عناصره المعتقلين".
نقل العناصر الخطرة
ظهرت ملامح الخوف من تصاعد عودة "داعش" مع قرار الجيش الأمريكي في 9 أكتوبر/تشرين الأول عن توليه مسؤولية احتجاز اثنين من عناصر "داعش"، هما لكساندا آمون كوتي، والشافي الشيخ اللذين كانا عضوين في خليّة الإعدامات والمعروفة بـ"البيتلز" والمسؤولة عن قطع رؤوس رهائن عدّة، خصوصاً أجانب، بينهم الصحفي الأمريكي جيمس فولاي.
ختاماً يمكن القول، إن ثمة بيئة خصبة لعودة تنظيم داعش الإرهابي لإعادة التموضع في الداخل السوري، حيث يوفر العدوان التركي فرصة مواتية للتنظيم لإعادة الانتشار وتنظيم صفوفه، لا سيما مع توجه قوات "قسد" إلى سحب بعض قواتها التي تحرس مقاتلي "داعش"، لمواجهة الغزو التركي، وهو ما يعني احتمال فرار الآلاف من مقاتلي "داعش" الذين تحتجزهم "قسد" حاليًا، وبين هؤلاء المقاتلين الأجانب الذين ترفض دولهم استعادتهم ومحاكماتهم على أراضيها، وهو الأمر الذي يعزز مساعي "داعش" للعودة من جديد إلى الساحة بعد مرحلة التراجع التي مر بها.