من الأمور المضحكة والمبكية في آن واحد ما نشاهده خلال الأزمة القطرية التي نعيشها هذه الأيام، حيث خرج علينا بعض أنصاف الإعلاميين المدعومين من النظام القطري ليؤدوا دور "المحلل السياسي"، وهم أقرب ما يكونون إلى "محللي المقاهي"
التحليل السياسي هو علم وفن يتقنه عدد قليل من الإعلاميين، فهناك خلط بين إبداء الرأي وطرح فكرة أو تصور تجاه قضية محددة وبين التحليل السياسي الذي يجب ألا يحمل رأي المحلل، وأن يكون هدفه عرض الحقائق المصحوبة بالدلائل والبراهين. كما أن التحليل السياسي يحتاج إلى ثقافة، وتخصص، وتجرد من العاطفة، ودقة، وقدرة على الإقناع، وخبرة ولباقة، ناهيك عن البحث والتنقيب للوصول إلى فهم حقيقي للواقع، واطلاع واسع على الأمور السياسية المحلية منها والإقليمية والدولية، فالكثير من الحكومات الناضجة تعتمد على التحليل السياسي في اتخاذ قراراتها فيما يتعلق بالشأن الداخلي والخارجي.
ولعل الجميع قد لاحظ خلال الأسابيع القليلة الماضية أن النظام القطري وللأسف الشديد، يعتمد على أشباه المحللين في رسم السياسة الخارجية لقطر، حيث يعتمد أولئك الدخلاء على عالم التحليل السياسي فيما يزعمون أنه "تحليلات"، على مشاهدة أفلام "كابتن نامق" وابحث عن فضولي"، ونشرات أخبار "دنيا الأطفال" وأخبار الإذاعة المدرسية، كما يعتمدون على قراءة قصص الأطفال المخصصة لما قبل النوم، مثل "الحمار والكلب المدلل"، "والحمار الكذاب"، و"الحمار الكسلان"، و"الحمار الغبي".
من الأمور المضحكة والمبكية في آن واحد ما نشاهده خلال الأزمة القطرية التي نعيشها هذه الأيام، حيث خرج علينا بعض أنصاف الإعلاميين المدعومين من النظام القطري ليؤدوا دور "المحلل السياسي"، وهم أقرب ما يكونون إلى "محللي المقاهي"، مستغلين القنوات الفضائية الممولة من النظام القطري، التي باتت تستعين بهم تحت مسمى "خبير أو محلل سياسي"، علما بأن عدداً كبيراً منهم، إن لم يكن معظمهم، غير مطلع على الأحداث التاريخية التي مرت بها منطقتنا الخليجية، ولا يمتلك الحد الأدنى من القدرة على الربط بين الأحداث التاريخية وما يجري حالياً، ولا يملك القدرة على قراءة المستقبل واستشراف التطورات بشكل علمي وموضوعي، وسلاحهم الوحيد هو السب والشتم والقذف وهتك الأعراض، توهماً منهم أن هذا الأسلوب سيخلق منهم "محللين سياسيين" لا يشق لهم غبار، وبأن هذا الأسلوب سيجعل القنوات الفضائية العالمية تتهافت عليهم من كل حدب وصوب، خاصة إذا ما وجدوا تأييداً ودعماً من بعض أفراد الشعب ممن لا يتمتعون بثقافة ومستوى علمي يُذكر، وما يزيد الطين بله قيام "محللي المقاهي" بتسجيل ترهاتهم ظناً منهم بأنها ترقى لمستوى "التحليل السياسي"، ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي!!
من الأمور المضحكة والمبكية في آن واحد ما نشاهده خلال الأزمة القطرية التي نعيشها هذه الأيام، حيث خرج علينا بعض أنصاف الإعلاميين المدعومين من النظام القطري ليؤدوا دور "المحلل السياسي"، وهم أقرب ما يكونون إلى "محللي المقاهي"
أشباه المحللين من صعاليك الإعلام الممول من النظام القطري دائماً ما يطلقون الأحكام المطلقة، ولا يقبلون الرأي الآخر، ودائماً ما يعالجون القضايا والمواقف بشكل سطحي وعاطفي دون الاستناد لأدلة واضحة، ولا يملكون الجرأة على مناقشة الآراء المتعددة، ويعتمدون على لعبة التخويف وإطلاقات الاتهامات دون بحث ومعلومات، ولا يعترفون بوجود الرأي الآخر، ناهيك عنه احترامه.
إن التحليل السياسي خلال "أزمة قطر" أصبح مهنة للبعض، خصوصاً مع وجود الأعداد الكبيرة من الفضائيات التي تمول من قبل النظام القطري، والتي تفسح المجال لكل من هب ودب ليتناولوا الأحداث السياسية والعسكرية والأمنية بكلام سخيف، وأسلوب ما أنزل الله به من سلطان، ظناً منهم أن هذا هو التحليل العلمي للأحداث، فكل شيء مباح في الإعلام الرسمي أو الممول من النظام القطري من تهريج وتدليس وكذب وخداع وتضليل وفبركة وصفاقة وعدم احترام للمشاهد، حيث يطل علينا هذا الكذاب الأشر، وذاك الهماز المشاء بنميم، وهذا الحلاف المهين، وآخر المعتدي الأثيم، عبر شاشات النظام القطري بمناسبة وبدون مناسبة (عرس والله يابه) يقترح ويستنتج على هواه، ويتنبأ بالأحداث المستقبلية معتبراً تهريجه تحليلاً سياسياً.
خطورة التحليلات الخاوية وإسهال الكلام كيفما اتفق تنبع من أن تحويل هذا الأسلوب إلى ممارسة عامة يقدم للنظام القطري تصورات خاطئة عن موقفه الحقيقي، فهذا النظام الذي يفكر بالتمني ويميل إلى خداع ذاته سيصدق شيئاً فشيئاً أن ما يجري على ألسنة محلليه السياسيين هو عين الحقيقة، وسيبني مواقفه على أساس من ادعاءاتهم وتخرصاتهم، ومن ثم سيقدم على خطوات تزيد موقفه حرجاً وأزمته ضيقاً، إلى أن يفيق على الحقيقة المفجعة بعد أن يكون الأوان قد فات.
جعجعات أشباه المحللين وجهٌ من وجوه الأزمة القطرية المستحكمة، القائمة على الجهل من جهة وعلى إنكار الحقائق والتعامي عنها من جهة ثانية، والتحليلات المكذوبة والغبية تحاول التقليل من أثر المقاطعة المفروضة على الدوحة، وتتجاهل الحقائق السياسية والاقتصادية والخسائر المتوالية في فترة وجيزة، وهي مرشحة للزيادة بقوة مع استمرار هذه الإجراءات طالما مضت الدوحة في تعنتها وإصرارها على دعم الإرهاب وتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة.
ضرر أشباه المحللين أكبر مما يبدو، فعلى الرغم من أنهم يقدمون عروضاً كوميدية بامتياز، ويوفرون مادة للفكاهة والتندر بما تنطوي عليه من جهل وسطحية، فإنهم يزينون لقطر طريق المهالك، وأخشى أن يندموا جميعاً حين لا ينفع الندم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة