شارك، يوم السبت الماضي، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات الدكتور أنور قرقاش في الاجتماع الوزاري التشاوري للمجموعة العربية السداسية الذي عقد في الرياض.
الاجتماع جاء من أجل التنسيق مع المجموعة السداسية التي تضم بجانب دولة الإمارات كلاً من السعودية ومصر والأردن وقطر والسلطة الفلسطينية، استعداداً لاستضافة السعودية للاجتماع المنتظر مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن هذا الأسبوع، وذلك من أجل بحث تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واحتمالات اجتياح مدينة رفح رغم التحذيرات الدولية من تداعياتها على المنطقة.
فوفقاً لمؤشرات الأحداث وتطورات الحرب في غزة، فإن أياماً قليلة وربما ساعات تفصلنا عن تنفيذ خطة حكومة بنيامين نتنياهو للتدخل البري في مدينة رفح الفلسطينية.
ورغم تعدد التحذيرات من القيام بهذه العملية، ومبادرة أطراف عربية ودولية إلى تنبيه إسرائيل للمخاطر المترتبة على اجتياح رفح، بات واضحاً إصرار نتنياهو على القيام بهذه الخطوة. وما لم تحدث معجزة ما، أو يتم الاتفاق في اللحظة الأخيرة على وقف إطلاق النار أو ما يطلق عليه "الصفقة"، فإن الأنباء والتسريبات الواردة من تل أبيب، تؤكد أن الدبابات الإسرائيلية والمدرعات التي تتدفق عبر غلاف قطاع غزة من أيام، ستباشر الاجتياح الكارثي لرفح مع انتهاء الصوم الكبير والاحتفال بعيد الفصح.
وفي هذا الوضع الخطير، فإن ما يستحق التفكير جدياً وعلى نحو عاجل، هو "اليوم التالي" أي مستقبل النازحين ومصير قطاع غزة بعد اجتياح رفح. والمحك الأساسي في أهمية "اليوم التالي" ليس فقط النتائج المباشرة والأوضاع الميدانية المنتظرة على الأرض، وإنما أن هذه الأوضاع ستلعب الدور الأكبر في توجيه مسار القضية الفلسطينية ورسم مستقبل غزة.
فالخطاب السياسي الإسرائيلي المتكرر منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يركز على أن القصف والعمليات العسكرية هي التي ستقضي على حركة "حماس" وتحقق استعادة المخطوفين الإسرائيليين وتحول دون تكرار تعرض حياة الإسرائيليين للخطر أو المغامرات السياسية للمليشيات الفلسطينية.
ومع أن الشهور السبعة الماضية بينت قصور هذه الرؤية، وكشفت أن العمل العسكري لا يكفي وحده لتحقيق "النصر" المطلوب، خصوصاً مع عدم تحقيق إنجازات حاسمة في الجانب العملياتي في تلك الحرب (استكشاف الأنفاق المنتشرة في أنحاء القطاع، إلى محاولات القضاء على قيادات "حماس").
ورغم أن فرصاً كثيرة سنحت خلال تلك الأشهر أمام حكومة نتنياهو لتعديل مسار الحرب وإبرام صفقة تكفل استعادة المخطوفين، فإن بنيامين نتنياهو أصر على الاستمرار في العمليات العسكرية، حتى بعد أن قُتل خلالها بعض المخطوفين الإسرائيليين وليس فقط مدنيين فلسطينيين. ويتفق بعض العسكريين الإسرائيليين وبعض الساسة هناك وكذلك بعض المسؤولين الأمريكيين في أن "الهروب إلى الأمام" هو التفسير الوحيد لسياسة نتنياهو في غزة حالياً وذلك من أجل كسب الوقت.
ونتيجة ذلك فإن إسرائيل وتحديداً حكومة نتنياهو لا توجد لديها تصورات أو خطط مستقبلية لما بعد حرب غزة، بل ولا لليوم التالي بعد اجتياح رفح.
وإذا كانت إسرائيل غير مستعدة بعد للمستقبل، فإن استحقاقات ذلك المستقبل وتحدياته، لا بد أن تشغل اهتمام الجميع، خصوصاً الأطراف العربية المعنية بالأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة "المجموعة السداسية".
فإذا كان اهتمام أغلب ساسة إسرائيل متركز فقط على مكاسبهم السياسية ومصالحهم الضيقة، فإن ما سيترتب على مصير غزة، مهم للعالم العربي وللشرق الأوسط كله. ذلك أن التداعيات والتأثيرات لن تقتصر على إسرائيل ولا حتى على الفلسطينيين أو الدول القريبة جغرافياً من بؤرة الصراع. والدليل واضح من الواقع الراهن، فقد امتدت تأثيرات حرب غزة إلى جنوب البحر الأحمر، وتداخلت مع الملف الإيراني ومع أدوار المليشيات المسلحة في العراق واليمن ولبنان.
وبالتالي فإن الدول العربية المحورية مطالبة بأخذ زمام المبادرة ووضع تصورات عملية وواقعية قابلة للتنفيذ لمستقبل غزة. وكذلك مستقبل القضية الفلسطينية ككل.
مفهوم أن لبعض الدول، مثل مصر والأردن، حساباتها المرتبطة بموقعها وتاريخها من القضية. بما يفرض أحياناً قيوداً معينة أو يستوجب تبني مواقف تراعي تلك المعطيات والحسابات. بينما في الشرق الأوسط دول أخرى تملك أريحية ومساحة في التفكير ومجالاً واسعاً لطرح مبادرات وصيغ سياسية وأمنية واستراتيجية، ليس فقط لغزة تحديداً، لكن لمجمل إدارة وحل القضية الفلسطينية.
وربما دولة الإمارات واحدة إن لم تكن هي أكثر الدول المؤهلة للعب هذا الدور الإيجابي. لما تتمتع به من رؤية سياسية واعية وشاملة لاستقرار المنطقة، وما تمتلكه من خبرة وتاريخ من الدبلوماسية النشطة والناجحة.
فضلاً عن أن لها علاقات جيدة وإيجابية مع كل أطراف القضية الفلسطينية، بما يمنحها مقبولية واسعة من أطراف القضية المباشرين، وتقدير من المجتمع الدولي من شأنه تعزيز ومساندة أي دور تتصدى له، خاصة أن جانباً أساسياً من مهام وتحديات "اليوم التالي" يتعلق بالحياة اليومية للنازحين من مناطقهم، مثل تأمين الغذاء وتوفير الطاقة وتشغيل المنشآت الطبية وإعادة تأهيل البنية التحتية وغير ذلك من أمور عاجلة ولا تحتمل انتظار الحلول السياسية طويلة الأجل، والإمارات جديرة بهذا الدور وقادرة عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة