في مواجهة مطالب الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، ومن ورائها دول عربية أخرى قريبة من اتخاذ الموقف ذاته تذرعت قطر بـ"السيادة"
في مواجهة مطالب الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، ومن ورائها دول عربية أخرى قريبة من اتخاذ الموقف ذاته، تذرعت قطر بـ"السيادة" التي ادعت أنها غير قابلة للمساس بها، وتعالت أصوات مسؤوليها وأصوات جوقة المُستأجرين من قِبلها بمزاعم الحفاظ على الكرامة الوطنية، لكن ذلك كله تبدَّد فجأة حين أعلنت قطر أنها مستعدة لفتح كل ملفاتها أمام الاستخبارات الألمانية.. وأضافت قطر بذلك بنداً جديداً إلى قائمة التناقضات التي وصلت بها إلى مأزقها الراهن.
أين الحديث عن "السيادة" القطرية التي لا تُمسّ، والكرامة التي ستُنتهك؟ وبأي منطق تكون الاستجابة للأشقاء عدواناً على الكرامة والسيادة، والانكشاف التام والمطلق وغير المشروط أمام الألمان حفاظاً عليهما؟ ألم يكن من الأجدى -افتراضاً- أن يكون مثل هذا العرض "الكريم جداً" للشقيق الكويتي الذي يبذل جهده في نصح الدوحة؟ وهل الغريب أكثر حرصاً من الشقيق الذي تحثه دوافع الجيرة وروابط القربى والتعاون والعلاقات الممتدة والتاريخ المشترك؟
قطر تتخبط، ومن ورائها جوقة المنتفعين الذين سلُّوا ألسنتهم وحقدهم وأغراضهم الخبيثة ليشنوا حملات بذيئة على الدول العربية مرتدين مسوح الدفاع عن العروبة والدين والكرامة، ثم انخرست ألسنتهم وهم يرون دعاوى السيادة تهوي إلى الثرى في لحظة، وهتافات الكرامة تتمخض عن انسحاق تام واستعداد لكل شيء إلا الحوار مع الأشقاء عبر الطريق الوحيد الذي يمكن أن يكون حلاً للمشكلة، وهو التوقف عن السياسات التخريبية التي لم يعد السكوت عليها في الظرف التاريخي الراهن ممكناً.
قطر تتخبط، ومن ورائها جوقة المنتفعين الذين سلُّوا ألسنتهم وحقدهم وأغراضهم الخبيثة ليشنوا حملات بذيئة على الدول العربية، مرتدين مسوح الدفاع عن العروبة والدين والكرامة
بدلاً من أن تسلك الطريق الأسهل والأقرب، تحاول قطر الهروب إلى الأمام، ظناً منها أنها لا تزال قادرة على خداع العالم كله من خلال إعلامها، الذي زادت الأزمة القطرية من فضح عوراته، حين تحول إلى ضوضاء مزعجة تلوث العقل العربي بأكاذيب وافتراءات وتحاول صرف أنظار متابعيها من خلال إغراقهم بسلسة كثيفة من الأخبار الزائفة، فضلاً عن أن قطر قد جنّدت المرتزقة ليشنوا حرباً قذرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التماساً لقوة متوهمة، ومحاولة للتعمية على القضية الحقيقية.
وسواء كانت هذه الحسابات حقيقية أو وهمية، فإن أصحابها في مثل هذا العصر الذي يسهل فيه تتبع أصحاب الحسابات المسيئة لن يُفلتوا من العقاب، وسوف يحاسبون اليوم أو غداً أو بعد غد على كل افتراءاتهم وتخرصاتهم، وهم لن ينفعوا قطر بشيء، ولن يجدوا من يساندهم حين تحل لحظة الحساب.
مشكلة قطر ليست مع ألمانيا لتفتح لها ملفاتها، فما يهم ألمانيا ليس ما يهمنا، وألمانيا لا تتعرض كل يوم لهجمات الإرهاب التي تلتهم الأرواح والمقدرات الاقتصادية وتهدد بالفوضى.. نحن في الدول العربية من يعاني، ولن نسمح بأن يستمر ذلك.
دون تقليل من قيمة أي روح تُفقد في أي مكان من العالم، نحن أمام حقيقة أن ضحايا الإرهاب الألمان لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، فيما تستهدف المؤامرات على البحرين وجودها نفسه.. قيادتها ومجتمعها وكيانها كدولة، وليست المؤامرة على مصر بأقل من ذلك، فالفوضى التي عملت قطر على غرس أسسها وتمويل جماعات الإرهاب وتوفير منصات الدعاية السوداء لها، ودعمها بكل الطرق، لا تُقارن بعملية منفردة قد تتعرض لها برلين أو هامبورج، ومحاولة زرع "داعش" في سيناء التي تفوق مساحتها مساحة قطر عشرات المرات، وآلاف الشهداء العسكريين والمدنيين الذين ولغت قطر في دمائهم، ليس مما يُسكت عنه.. المواجهة حتمية، ولا مهرب منها.
الدم السعودي الزكي الذي يروي أرض المملكة العربية السعودية في مواجهة الإرهاب وفي مواجهة زرع الفتن الطائفية، وفي مواجهة العصابات الحوثية على الحدود لا يترك مجالاً للصبر على من يساهم في إراقته.. هذه مواجهة مصيرية، ولا مهرب منها.. ومسؤولية الدول العربية إزاء شعوبها أولاً وإزاء دورها العربي والإسلامي لا تترك مجالاً لغير قطع دابر الفتنة وتسمية الأشياء بأسمائها.
ليست ألمانيا هي من يكتوي بنار الإرهاب المدعوم قطرياً لتكون الوجهة الصحيحة، وما لا تعلمه قطر أن هذه المناورة التي تلجأ إليها في اضطرابها وتخبطها قد تفضي بها إلى الهاوية، وربما تجد نفسها وقد دفعت أثماناً باهظة، لأنها لا تعرف في الحقيقة إلى أين سيفضي التفتيش في ملفاتها، وكيف سيُستخدم ضدها في عالم تحكمه مصالح غير معروفة لها، وما يُهمنا هنا أن الشعب القطري الشقيق سوف يدفع ثمناً مؤلماً، وقطر كدولة قد تدفع ثمناً مؤلماً يفوق كل ما تتصوره، أما الحل العربي الذي سيجري في إطار من الأخوة فهو سيراعي أول ما يراعي كيان الدولة القطرية ومصلحة شعبها وتراث الإخاء والتعاون الذي شوشته سياسات الطبقة الحاكمة، لكنه باقٍ وعميق الجذور في نفس كل خليجي.
الدم السعودي الزكي الذي يروي أرض المملكة العربية السعودية في مواجهة الإرهاب وفي مواجهة زرع الفتن الطائفية، وفي مواجهة العصابات الحوثية على الحدود لا يترك مجالاً للصبر على من يساهم في إراقته.
حل المشكلة ليس صعباً، وهو يحتاج من القيادة القطرية إلى التخلي عن العبث وعن المناورات غير المجدية، والانخراط في حوار حقيقي مع شقيقاتها، أساسه "القلب المفتوح" قبل الملفات المفتوحة، وإدراك خطورة اللحظة ومقتضياتها، وتقدير الموقف حق قدره بعيداً عن المضي في الحسابات الخاطئة التي ستُكلفها الكثير.
تدويل المشكلة ليس حلاً، بل فخا تمضي إليه قطر بفعل المكابرة والعناد والتشوش والضلالات المرتبطة باضطراب المعايير والمقاييس، فقطر التي توهمت أنها تمتلك أوراق ضغط وتحرك قوى تابعة لها أصبحت غافلة عن أنها هي الآن من يُعبث به، وأن قرارها قد استُلب، وسياساتها قد تم حرفها لتخدم القوى التي توهمت قطر أنها طوع بنانها.. الدمية الآن هي من يحرك اللاعب، وليس العكس، وهذا ما يفسر أن السياسات القطرية الأخيرة ليست في مصلحة قطر وشعبها أو حتى نظام الحكم فيها.
قطر صغيرة، وهذا ليس عيباً، لكن العيب أن تغفل عن مقتضيات هذه الحقيقة الجيوستراتيجية وتحاول العبث باستخدام جماعة مثل "الإخوان المسلمين"، أو "القاعدة" لأنها ستبتلعها في النهاية، وإذا كانت تركيا تمارس هذه اللعبة فإن كتلتها الحيوية وقدراتها الضخمة وقوتها الشاملة تجعل مثل هذه اللعبة أقل خطراً، صحيح أن نتائجها سلبية في النهاية في كل الأحوال، لكن قدرة قطر على المناورة أقل بكثير، واحتمالات أن تعصف اللعبة بقطر نفسها أكبر بما لا يُقاس.
الأمر ذاته ينطبق على المناورة - تحت ضغط المكابرة والعناد الشخصي الأجوف- باستجلاب ذئاب جديدة، مثل إيران وتركيا، إلى الدوحة في لحظة ضعف لا تترك لها إلا دور الفريسة، وحينها ستكون "السيادة" المزعومة طللاً يبكي عليه من تورطوا في الرهانات المدمرة.
تدويل المشكلة ليس حلاً، بل فخا تمضي إليه قطر بفعل المكابرة والعناد والتشوش والضلالات المرتبطة باضطراب المعايير والمقاييس، فقطر التي توهمت أنها تمتلك أوراق ضغط وتحرك قوى تابعة لها أصبحت غافلة عن أنها هي الآن من يُعبث به،
ما يجب أن تعلمه الحكومة القطرية أن سياسة الاختباء خلف الكذب لم تعد تجدي، وأن التصريحات الممجوجة التي يتناوب عليها مسؤولون حاليون وسابقون تزيد من غرقها في المستنقع الذي صنعته لنفسها، وكم كان صادقاً عبدالله بن حمد العطية، رئيس الوزراء القطري السابق حين قال، وهو يظن أنه يدافع عن حكومته: "نحن لسنا صانعي بسمة". فعلاً قطر لا تصنع البسمة، بل تزرع البؤس والخراب، وإذا كان في نفس وزير خارجية الإمارات سمو الشيخ عبدالله بن زايد بعض من الحزن، فهو حزن على جارٍ وشقيق لم يراع حق الله والجار، بل لم يفوّت فرصة إلا واستثمرها في إلحاق الأذى والضرر بأهله وجيرانه، وذلك أكثر ما يحزن الرجال الأصيلون لو كان العطية يعقل!
سيادة قطر الحقيقية كانت في أوجها حين كان أشقاؤها يظللونها بالتعاون والأخوة والنصح، وهذا هو الإطار الوحيد الذي كان يمكن لقطر من خلاله أن تحقق التنمية والمكانة الإقليمية والعالمية التي وصلت إليها، ولا تزال الفرصة متاحة بالاستجابة لدعوات العقل، وطرح كل شيء بصراحة ووضوح على الطاولة الخليجية، وقد جربت دول الخليج كل أساليب النصح، واعتصمت بالصبر وابتلعت الكذب والتلون وسوء النية طويلاً، وهي هذه المرة لن تسمح بأن تتكرر سيناريوهات الماضي، فالوقت غير الوقت، والظروف غير الظروف.
الحل خليجي وعربي، وطريقه واحد لأن الدوحة لم تترك غيره، ولا مفر من إيقاف السياسات الهدامة التي استمرأتها، وما لم تنتهج قطر هذا الطريق السهل نحو الخروج من أزمتها، فإن عليها أن تتحمل تبعات ما هي ماضية فيه، وما اتخذته الدول العربية والخليجية من قرارات لتنبيه الدوحة هو بداية ستتبعها قرارات وإجراءات متسلسلة نأمل ألا نُضطر إليها، وهي غير قابلة للتراجع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة