لا يكاد يمر حدث أو لقاء رسمي في دولة الإمارات دون أن تؤكد كلمات الحضور فيه على أهمية ترسيخ قيم التسامح، ومكافحة خطابات الكراهية، إدراكاً لخطرها العميق على النسيج المجتمعي والأمن الوطني.
خلال السنوات الماضية، أظهرت دولة الإمارات إرادة سياسية وتشريعية واضحة لمواجهة الكراهية وتعاملت مع ذلك باحترافية، وذلك عبر سن حزمة من القوانين الصارمة التي تحظر ازدراء الأديان، والتحريض على التمييز، وبث الكراهية بكل صورها، سواء بالقول أو الفعل أو النشر الإلكتروني، في خطوة تعكس نضجاً قانونياً يُحسَب للدولة إقليمياً وعالمياً.
شخصياً، أعددت بحثاً علمياً حول التشريعات المقارنة في مجال محاربة الكراهية، فوجدت التشريع الإماراتي متميزاً في الكثير من المفاصل؛ فمثلاً يُعد مرسوم القانون الاتحادي رقم (2) لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، أحد أبرز مرتكزات هذا النهج، كما القانون لا يكتفي بمعاقبة الأفعال الجرمية، بل يذهب أبعد من ذلك بتأسيس ثقافة قانونية تحاصر بذور الكراهية من جذورها، وتعزز القيم المشتركة بين مكونات المجتمع المتعدد الجنسيات والأديان والثقافات المختلفة.
ولم تقف الإمارات عند حدود التشريع، بل دعمت هذه المنظومة بإطلاق مبادرات وطنية كبرى، مثل تخصيص عام 2019 عاماً للتسامح، وإنشاء وزارة للتسامح، وهو ما عزز من حضور القيم الإنسانية في الحياة العامة، وجعل احترام الآخر جزءاً أصيلاً من الهوية الوطنية، وليس هذا فحسب بل شكل ذلك تكريساً وتعزيزاً للتسامح ونبذ الكراهية والجرائم التي تغتال شخصية الآخر.
اللافت أن هذه الجهود لم تكن مجرد استجابة لضغوط دولية، كما يحدث في بعض الدول، بل هي نابعة من قناعة استراتيجية بأن المجتمعات لا تبنى بالقوانين وحدها، بل بثقافة يومية تتغلغل في التعليم والإعلام ومؤسسات القطاع الثالث.
واليوم، تحظى الإمارات باعتراف عالمي بدورها الرائد في تعزيز السلم الاجتماعي ومكافحة خطاب الكراهية، وهو ما تجلى في تقارير الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، التي أثنت على الجهود الإماراتية، واعتبرتها نموذجاً يحتذى به في المنطقة العربية.
ربما يكمن نجاح الإمارات الحقيقي في هذا الملف في فهمها العميق بأن مكافحة الكراهية ليست مهمة رسمية فقط، بل مسؤولية وطنية جماعية تبدأ من الفرد ولا تنتهي عند حدود الدولة.. وهو ما ترسخ بشكل جمعي في المجتمع الذي يمتاز اليوم بأن أكثر من 200 جنسية تنصهر به ملتزمة بالقانون متسامحة متعايشة يهتم جميعها بشؤونهم والمصلحة العامة فقط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة