في عالم يعصف به الاضطراب وتثقل كاهله الكوارث الطبيعية، يبقى صوت الإنسانية هو الأصدق، ورسالتها الأبلغ.
ومن على متن طائرة إماراتية تحمل في جوفها الخير والأمل، بدأت رحلتي إلى جمهورية ميانمار، حيث رافقت شحنة المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة التي سيرتها دولة الإمارات، لأكون شاهداً على موقف إنساني يجسد الدور الريادي للإمارات في مجال الإغاثة والتضامن الدولي.
انطلقت الرحلة من العاصمة أبوظبي، محمّلة بالمساعدات العاجلة إلى الشعب الميانماري، الذي واجه كارثة الزلزال بكل ما تحمله من ألم وفقدان. لم تكن الطائرة مجرد وسيلة نقل، بل كانت جسراً للأمل، وامتداداً ليد الخير الإماراتية التي لا تتأخر حين يناديها الواجب الإنساني.
وأنا في قلب الرحلة، تملكني شعور عارم بالفخر والانتماء، حين رأيت معاني العطاء تتجلى أمامي في مشاهد إنسانية مؤثرة، تُنقل فيها المساعدات بحب، وتُبذل الجهود بقلوب نابضة بالرحمة والإخلاص.
عند وصولنا إلى مطار يانغون، لمسنا مباشرة حجم المعاناة، ووقع الكارثة على حياة السكان. كان في استقبالنا ممثلو الحكومة وجمع من المواطنين، لكن الأثر الحقيقي تجلّى في لحظة وصول المساعدات، حيث بدا واضحاً أن لهذا الدعم وقعاً عميقاً في نفوس الناس. كانت الاستجابة بمثابة بارقة أمل ومنارة مضيئة وسط المعاناة، وأثبتت أن المبادرات الصادقة قادرة على تخفيف الألم، وأن العطاء حين يصل في وقته، يُحدث فرقاً لا يُقاس بالكلمات.
وقد جاءت هذه الرحلة الإغاثية الإنسانية بتوجيهات سامية من “فارس الإنسانية” الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات ضمن استجابة عاجلة من دولة الإمارات لتداعيات الزلزال العنيف الذي ضرب جمهورية ميانمار. وبإشراف مباشر من قيادة العمليات المشتركة في وزارة الدفاع، وبتنسيق مع وزارة الخارجية، وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وقيادة الحرس الوطني، تم تسيير جسر جوي إغاثي من أبوظبي إلى ميانمار، عبر عدد من الرحلات الجوية المتتالية التي حملت في طياتها رسالة تضامن إنساني خالص.
أكثر من 200 طن من المساعدات الإنسانية تم إيصالها، شملت المواد الغذائية الأساسية، ومستلزمات الإيواء، والمعدات الطبية الطارئة، وصلت إلى المناطق المتضررة في لحظة احتياج حرجة، لتعيد شيئاً من الطمأنينة، وتبعث الأمل في نفوس الأهالي. هذه المبادرة جاءت لتؤكد من جديد أن الإمارات كانت ولا تزال من أوائل من يستجيبون عند الشدائد، دون تردد أو تأخر.
وتأتي هذه المساعدات استكمالاً لجهود دولة الإمارات في دعم المجتمعات المنكوبة حول العالم، وذلك عقب انتهاء فرق البحث والإنقاذ الإماراتية من أداء مهامها الإنسانية في المناطق المتضررة، ضمن استجابة شاملة ومتكاملة للأزمة.
ولا تُعد هذه المبادرة سابقة فريدة، بل هي امتداد طبيعي لنهج إماراتي ثابت في دعم الشعوب المنكوبة. فقد تصدّرت دولة الإمارات، وفق تقارير لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قائمة أكبر المانحين الدوليين للمساعدات الإنمائية الرسمية نسبة إلى دخلها القومي لعدة أعوام متتالية.
غادرت ميانمار وترافقني مشاهد لا تُنسى، وتجليات إنسانية ستظل محفورة في الذاكرة. تعلّمت أن اليد التي تعطي، لا تفقد دفئها أبداً، وأن أقوى الرسائل لا تُكتب بالحبر، بل تُرسل عبر الأفعال.
كانت الرحلة درساً في المعنى الحقيقي للإنسانية، ورسالة تؤكد أن الإمارات حين تُسيّر طائرة، فهي لا تنقل مساعدات فحسب، بل تنقل الأمل، وتغرس بذور الرحمة في المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية.
جزى الله قيادتنا الرشيدة خير الجزاء على ما قدّمته من عون صادق وتضامن إنساني نبيل للبشرية، كان له أبلغ الأثر في نفوس المحتاجين.
ونسأل الله أن يديم على دولتنا الغالية نعمة الأمن والأمان والاستقرار، وأن يحفظها من كل مكروه، ويبارك في مسيرتها الخيّرة نحو دعم الإنسان أينما كان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة