لم تكتفِ القوات المسلحة السودانية بتقتيل الشعب السوداني، وتشريده، واغتصاب أمنه وسلامه، وتجويعه، وتهجيره داخل السودان وخارجه، وتمادت حتى ضربت عرض الحائط بأبسط القيم الإنسانية.
فأوغلت في الدم السوداني دون رادع من ضمير أو أخلاق، مندفعة بفكر منحرف أسسته طغمة حاكمة تشربت الإرهاب نهجًا، واتخذت سفك الدماء طريقًا، بل تمادت حتى عضّت أيادي الخير التي امتدت إليها من الأشقاء، وعلى رأسهم دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لم تدّخر جهدًا لتقديم الغوث والمساعدة والمساندة للشعب السوداني الشقيق، منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وصولاً إلى عهد السلام والعطاء والسخاء، ونجدة الأصدقاء والأشقاء، عهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات.
إن طعنة الغدر التي وجّهتها القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات العربية، بادّعاءاتها الزائفة أمام محكمة العدل الدولية، وتلفيقاتها المثيرة للسخرية، والمتناقضة مع التاريخ الناصع لدولة الإمارات ومواقفها المشرّفة مع السودان، تؤكد أن الفكر الظلامي هذا لا يمكنه أن يتعايش مع السلام، ولا يمكنه إلا أن يكون في أحطّ مستويات الجحود والنكران، لا لشيء، بل لفشله في تحقيق أطماعه وأهدافه السوداوية، والذي حاول أن يُلقي فشله على الآخرين، دون أي اكتراث لقيمة أو مبدأ إنساني وأخلاقي، متناسيًا التاريخ الحافل لدولة الإمارات في مدّ يد العون، وتصدّر الإمارات كل دول العالم في تقديم المساعدات إلى الشعب السوداني الشقيق، وحرصها على استتباب أمن السودان واستقراره، والعمل بكل إخلاص من أجل إطفاء حرائق الصراعات، وتعزيز السلام والاستقرار في هذا البلد الشقيق العزيز.
لقد أثبتت دولة الإمارات، عبر سياستها المتزنة والمحايدة، أنها تقف دائمًا ضمن مبدأ الحياد الإيجابي، على مسافة واحدة بين جميع الأطراف المتصارعة، وتبذل الغالي والنفيس من أجل وأد الصراعات، وتخفيف الاحتقانات. وبناءً على هذه القيم، كان موقف الإمارات من صراع الجيش السوداني مع قوات الدعم السريع محاولةً بكل السبل، بالتعاون مع المجتمع الدولي، لوضع حدّ لهذا الاقتتال وسفك دماء السودانيين الأبرياء، وتخفيف معاناتهم، وإنهاء مأساتهم.
إن قراءة سريعة في سجل العطاءات والمساعدات التي قدمتها الإمارات إلى الشعب السوداني الشقيق، تدحض بكل جلاء أي افتراء ظالم على الإمارات وشعبها وقيادتها، ويكفي الإمارات فخرًا واعتزازًا أنها لا تزال تحافظ، وللعام الخامس على التوالي، على مكانتها كأكبر المانحين الدوليين في مجال المساعدات الإنسانية والتنموية، بما يعادل ضعف النسبة العالمية المطلوبة (0.7%)، والتي حددتها الأمم المتحدة كمقياس عالمي لقياس جهود الدول المانحة ومبادراتها الفعّالة.
لقد تربعت دولة الإمارات على قمة هرم مقدّمي المساعدات الإنسانية عبر العالم. الإمارات، بكل فخر، أكبر مانح إنساني في العالم العربي، وتاسع أكبر مانح إنساني عالمي في العام 2024 حتى الآن، حيث تبرعت بمبلغ يزيد على 256 مليون دولار، كما تعهدت بمبلغ إضافي قدره 15 مليون دولار خُصّصت لقضايا مختلفة.
والشيء بالشيء يُذكر، فإن نصيب الشعب السوداني الشقيق من المواقف المشرّفة في مجال تقديم المساعدات الإماراتية بلغ مستويات تؤكد أن الإمارات كانت وستبقى وفيّة لقيمها العليا، ومبادئها الإنسانية السامية، وعلاقتها الوثيقة مع أشقائها، ووقوفها الثابت لمناصرة قضاياهم وتنمية مواردهم.
حيث واصلت الإمارات، بالرغم من الصراع والاقتتال الدائر في السودان، تقديم الدعم الإنساني والإغاثي، بهدف التخفيف على الشعب السوداني من حدّة ونتائج هذا الاحتراب المشتعل منذ العام 2023.
وللتذكير فحسب، فقد بلغت المساعدات الإنسانية الإماراتية المقدّمة إلى الشعب السوداني، منذ بدء الحرب السودانية، أكثر من 600 مليون دولار.
كما نجحت دولة الإمارات في تقديم العون والغوث إلى أكثر من مليوني سوداني متضرر من آثار النزاع، وشكلت المساعدات الإماراتية طوق النجاة لهذه الأعداد الهائلة، وأمّنت لهم سبل الحياة والنجاة من تداعيات الحرب الدائرة.
ناهيك عن جسر جوي لم يتوقف، مثّل الشريان الحيوي لمدّ الشعب السوداني بكافة مستلزمات الحياة، حيث بلغ عدد الطائرات الناقلة لهذه المساعدات أكثر من 162 طائرة، نقلت كل المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية، التزامًا من شعب الإمارات وقيادتها بنُصرة ونجدة الأشقاء، وترسيخًا لمعاني الإنسانية والتكافل الدولي.
بالإضافة إلى تسيير السفن المحمّلة بالمواد الإغاثية للنازحين السودانيين في العديد من الدول مثل تشاد وأوغندا، حاملة آلاف الأطنان من المساعدات، التي بلغت أكثر من 13 ألف طن من المواد المختلفة.
ولم تقف جهود دولة الإمارات الإغاثية عند حدود تقديم الدعم اللوجستي الغذائي والطبي والإيوائي، بل عملت الإمارات على تعزيز الجانب الصحي والعلاجي لآلاف السودانيين من خلال تشييدها مستشفيين ميدانيين في مدينتي (أمدجراس، وأبشي) في تشاد، بهدف توفير الخدمات الطبية اللازمة للنازحين السودانيين، حيث استقبل هذان المستشفيان أكثر من 90 ألف حالة.
كما شيّدت الإمارات مستشفى في منطقة (مادول) في ولاية بحر الغزال في الجنوب السوداني، بالإضافة إلى تقديم الدعم المتواصل لأكثر من 127 منشأة صحية منتشرة في مختلف الولايات السودانية.
وتفاعلت دولة الإمارات مع الجهود الدولية الهادفة إلى مساعدة الشعب السوداني، من خلال تقديمها 70 مليون دولار إلى وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية والإغاثية العاملة في السودان.
ولا ننسَ مساعي دولة الإمارات وجهودها في دعم اللاجئين السودانيين في دول الجوار السوداني، من خلال تقديم 30 مليون دولار مخصصة لتأمين متطلبات هؤلاء اللاجئين، وحفظ كراماتهم، وصون حياتهم.
وختامًا، الجهود الإماراتية المشرفة في مجال دعم استمرارية التعليم للطلبة السودانيين اللاجئين، من خلال تخصيص أكثر من 4 ملايين دولار لتحقيق هذا المستهدف التعليمي.
نحن لسنا بصدد تعداد المبادرات الإنسانية والإغاثية التي قدمتها الإمارات إلى السودان الشقيق، فالإمارات كانت وستبقى منهل الخير، ومنبع العطاء، وستبقى وفيّة لقيمها الإنسانية، وملتزمة بعلاقاتها الأخوية مع الأشقاء والأصدقاء.
ولكننا، أمام جحود بعض الفرق المارقة في السودان، لا يسعنا إلا التأكيد على أن مواكب الإمارات الإنسانية، وجسور الخير التي تبنيها عبر العالم كل يوم، ستبقى مستمرة نهجًا لقيادتها، وأصالةً لشعبها، ووفاءً لتاريخها الأبيض الناصع، ومستقبلها الذي تسعى من خلاله إلى إسعاد البشرية، وتعزيز قيم السلام، والمحبة، والاستقرار في جميع أنحاء العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة