لم يكن دونالد ترامب رئيساً عادياً منذ ترشحه لمنصب الرئاسة في عام 2016 وحتى الأيام الأخيرة من حكمه في عام 2021.
وخلافاً لكل الرؤساء السابقين الذين اتسمت الفترة التي سبقت مغادرتهم البيت الأبيض بالهدوء والانتقال المنظم للسلطة، فإن أيام ترامب الأخيرة مختلفة تماماً. ونبعت قراراته فيها بمزيج من الغضب والرغبة في الانتقام، فكانت بحقٍ أياماً عاصفة أطلق فيها قذائفه في الداخل، على الخصوم والحلفاء على حد سواء.
ومن ذلك، تشكيكه المستمر في نتائج الانتخابات الرئاسية، وتصريحاته المستمرة عن "سرقتها" لصالح بايدن. وكان من شأن تكراره لتلك الاتهامات هز ثقة مناصريه بنزاهة العملية الانتخابية. وعلى الرغم من أن كل القضايا التي رفعتها حملته الانتخابية لمراجعة النتائج، والتي بلغ عددها 62 دعوى، وقد رفضتها المحاكم الأمريكية بالكامل بسبب غياب الأدلة؛ فإنه استمر في مزاعمه، ودعا مؤيديه إلى النزول للشوارع يوم 6 يناير للتعبير عن رفضهم لنتائج الانتخابات مما زاد من حالة الاستقطاب السياسي والاحتقان الاجتماعي. تزامن هذا الموعد مع اجتماع الكونجرس في جلسة مشتركة لإقرار نتائج المجمع الانتخابي وإعلان فوز بايدن. وانتهى هذا اليوم بمأساة اقتحام المتظاهرين لمبنى الكونجرس على النحو المروِّع الذي شاهدناه جميعاً على شاشات التلفاز، ومثَّل تهديداً خطيراً لعمل المؤسسات الديمقراطية.
ولم يسلم الحلفاء في داخل الحزب الجمهوري من اتهامات ترامب، فلم يقبل منهم سوى التأييد الكامل لمواقفه الرافضة لنتائج الانتخابات بدون شروط أو تحفظات، واتهم قياداته بأنهم لم يقوموا بواجبهم في الضغط على أعضاء الحزب في المجمع الانتخابي للتصويت لصالحه، ووصفهم بأنهم "جمهوريون بالاسم فقط". وانتقد بشكلٍ لاذع ميتشيل ماكونيل أحد أهم حلفائه وزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ عندما قام بتهنئة بايدن في أعقاب تصويت أغلبية المجمع الانتخابي له، وعايره بأنه ما كان يمكن له أن يحصل على الأغلبية التي فاز بها في انتخابات مجلس الشيوخ لولا دعم ترامب له. وهاجم ترامب بعنف برايان كيمب حاكم ولاية جورجيا الجمهوري واتهمه بأنه لم تكُن لديه الجرأة لإعلان فوز ترامب في ولايته، وأضاف "أنه يشعر بالعار من موقفه مُطالباً إياه بالاستقالة"، وهدد الجميع بأنه "لن ينسى"، بل لم يتورع عن الضغط المباشر على مسؤولين حكوميين لتغيير النتائج، وفي 4 يناير تم تسريب مكالمة هاتفية للرئيس مع مسؤول حكومي في ولاية جورجيا استهدفت الضغط عليه لإيجاد 12 ألف صوت مؤيد له، مما مثَّل مُخالفة صارخة للدستور الذي أقسم الرئيس على احترامه.
وفي خطوة غير مسبوقة لرئيس في أيامه الأخيرة، قام ترامب بالاعتراض على قانون حزمة إجراءات التحفيز الاقتصادي التي أقرها الكونجرس لدعم الأمريكيين الذين تضرروا بسبب فقدان وظائفهم، بدعوى رغبته في رفع قيمة الإعانة من 600 دولار إلى 2000 دولار، ولكنه تراجع عن موقفه وقام بالتصديق عليه داعياً الكونجرس إلى إصدار قانون جديد بالزيادة التي طلبها. واعترض أيضاً على قانون المساعدات الخارجية وأعاده إلى الكونجرس لمراجعته. وحسب الدستور الأمريكي فإنه في حال اعتراض الرئيس على قانونٍ ما فإنه يعود إلى الكونجرس، فإذا أقره مرة أخرى بأغلبية الثلثين يصبح نافذاً دون الحاجة إلى تصديق الرئيس، وهو ما حدث في هذه الحالة وكانت لطمة أخرى لترامب.
لم يكتفِ ترامب بما تقدم وقام باستخدام سلطته في العفو عن أشخاص صدرت ضدهم أحكام قضائية بشكلٍ يُمثِّل إساءة لهذا الحق. فأصدر قراراً بالعفو عن مايكل فلين مستشاره الأسبق للأمن القومي الذي أُدين بتهمة الكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي، ومستشاره روجر ستون الذي أُدين بتهمة الكذب على الكونجرس، ومستشاريه في حملته الانتخابية جورج بابادوبولوس وأليكس فان دير زفان، والأربعة كانوا ممن تورطوا في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وأصدر عفوا رئاسيا لبول مانافورت مدير حملته الانتخابية الذي أُدين بتهمة التهرب الضريبي والاحتيال المالي وعرقلة التحقيق، وصدر ضده حكم بالسجن لسبعة أعوام ونصف العام. وكذلك العفو عن أربعة من حراس الأمن العاملين بشركة "بلاك ووتر" للخدمات الأمنية، والذين أُدينوا بتهمة قتل 14 مدنياً عراقياً من بينهم طفلان في بغداد عام 2007، وحاكمتهم المحاكم الأمريكية بتهمة القتل العمد، وصدرت أحكام ضد ثلاثة منهم بالسجن ثلاثين سنة، والرابع بالحبس مدى الحياة عام 2014. وامتدت قرارات العفو لتشمل رجل الأعمال في مجال العقارات تشارلز كوشنر والد صهره الذي أُدين عام 2004 بتهمة التهرب الضريبي والتلاعب بالشهود وصدر الحكم بسجنه لمدة عامين. وتعتبر هذه القرارات مكافأة سياسية لمن خدموا ترامب، فهي ترد لهم اعتبارهم ويصبح من حقهم المشاركة في التصويت والانضمام لهيئات المحلّفين في المحاكم.
هذا بعض من كلٍّ وعواصف ترامب لم تنقطع منذ إعلان فوز بايدن في الانتخابات، فعطَّل عملية انتقال السلطة إلى فريق الرئيس المنتخب، ولم يوفر لهم الاعتمادات المالية المقررة لهم قانوناً، وحتى بعد اقتحام أنصاره للكونجرس وتعهده بانتقال منظم للحكم، فإنه استمر في رفضه للنتائج مما أدى إلى استقالة عدد من كبار معاونيه، واقتراح معارضيه استخدام التعديل الدستوري رقم 25 لتنحيته من الحكم.
فهل يخلد ترامب إلى الراحة ويقبل الحقائق، أم أنه سيفاجئ أمريكا والعالم بعواصف أخرى؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة