العيب الكبير والإخفاق هو أن الحكومة التونسية نسيت أن وجودها أساسا قائم على خدمة الشعب وتلبية متطلباته.
وفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي وحّدت تونس، وقرّبت إلى حد ما بين الشعب والحكومة التي انشغل مَن على رأسها بمصالحهم ومراكزهم، واعتبروها مؤسسة مستقلة عن الشعب. ووفاة السبسي الرئيس الذي اجتمع الشعب التونسي على محبته وتأييده أعادت الروح الوطنية وقيمة المواطنة وسيادة الدولة التي عكستها جنازة سيادية.
وتشهد تونس اليوم عدة تحديات يجب أن يدركها مَن يدير البلاد وسيصل إلى مراكز قيادية عبر الانتخابات التشريعية التي ستعقد في شهر أكتوبر المقبل أو الرئاسية التي ستعقد منتصف الشهر المقبل، وهي أن مهامهم ليست داخل "مؤسسة الحكومة" بل هي تجاه الشعب الذي بدأ يعاني عبر تدهور العديد من القطاعات الأساسية وفي حياته اليومية.
ولا يمكن لـ"مؤسسة الحكومة" أن تستمر إذا لم تتماش مع متطلبات الشعب العاجلة خاصة، وتقدم استراتيجيات عمل تليق بتونس، لأن هذه المؤسسة (الحكومة) وببساطة ليست ملكا لمن يجلس داخل مؤسساتها، بل من المفترض أن وجودهم أساسا لخدمة الشعب الذي أمّنهم على مصيره.
تشهد تونس اليوم عدة تحديات يجب أن يدركها مَن يدير البلاد وسيصل إلى مراكز قيادية عبر الانتخابات التشريعية التي ستعقد في شهر أكتوبر المقبل أو الرئاسية التي ستعقد منتصف الشهر المقبل، وهي أن مهامهم ليست داخل "مؤسسة الحكومة" بل هي تجاه الشعب الذي بدأ يعاني عبر تدهور العديد من القطاعات الأساسية
كما تمر تونس بتحدّيات أمنية كبيرة، خاصة أن لها حدودا برية مشتركة مع ليبيا، وهذا ما يجعلها هدفاً سهلاً، ولكن حتى الآن نجحت وزارتا الداخلية والدفاع في السيطرة عليه وتأمين البلاد إلى حد الآن. كما نجحت الخارجية التونسية في الحفاظ على علاقات البلاد العربية والدولية وتماسك الدبلوماسية والحفاظ على احترام سيادة وقيمة الدولة التونسية عالميا. لكن التحدي الأيديولوجي هو الأخطر خاصة مع وجود أيادٍ أجنبية مدعومة وممولة من جهات خارجية تسعى لاستقطاب الشباب التونسي نحو الإرهاب واستهداف العقول.
٩٨ مرشّحا تقدموا لخوض الانتخابات الرئاسية التونسية، التي كان من المفترض أن تجري شهر نوفمبر المقبل، لكن وفاة الرئيس التونسي السابق الباجي قايد السبسي حتمت تقديم موعد الانتخابات. ولم تسبب وفاة وغياب الرئيس التونسي أي اضطرابات أمنية على البلاد، حيث التزم التونسيون بما جاء في الدستور والذي ينص على أنه وفي حالة وفاة الرئيس أو عجزه عن القيام بمهامه يتولى رئيس البرلمان رئاسة الجمهورية لمدة أدناها 45 يوما وأقصاها 90 يوما، وبموجب هذا الالتزام تقرر تقديم موعد الانتخابات الرئاسية في تونس إلى 15 سبتمبر/أيلول المقبل أي خلال نحو شهر من اليوم.
وقد عاشت تونس في السنوات الأخيرة، خاصة الأشهر الماضية، شبه قطيعة أو انفصال بين الحكومة والشعب. الحكومة التي انشغلت بترتيب صفوفها، والحفاظ على المؤسسات الحكومية وسيادتها -وهذا ليس عيبا في المرحلة الانتقالية التي تشهدها تونس والتي تعد جديدة على حكومة منتخبة- لكن العيب الكبير والإخفاق هو أن الحكومة نسيت أن وجودها أساسا قائم على خدمة الشعب وتلبية متطلباته. وغياب "الفعل الإيجابي" الذي من المفترض أن ينعكس في البلاد وضع حواجز بين الشعب والحكومة التي يأمل فيها خيرا لم ير منه شيئا على أرض الواقع.
وتعاني تونس اقتصاديا في الوقت الحالي خاصة بعد تراجع السياحة التي يعتمد عليها الاقتصاد بشكل أساسي، على خلفية الأحداث الإرهابية التي شهدها متحف باردو في تونس العاصمة، و"هجوم سوسة" الذي أسفر عن مقتل عشرات السياح أغلبيتهم بريطانيون على شواطئ مدينة سوسة السياحية.
وتراجع السياحة لم يكن السبب الأساسي، بل الأهم إلى جانب عدة أسباب أخرى كذلك من بينها غياب الاستثمارات الأجنبية، والتي انسحب بعضها بعد "الثورة" ليس لأسباب أمنية بالأساس بل لما شهدته تونس بعد الثورة من إضرابات حركها الاتحاد التونسي للشغل وهو المؤسسة النقابية الخاصة بالعمال في تونس، والتي وظفت لسنوات ومنذ ٢٠١١ سياسيا، ما أضر بالاقتصاد أكثر وزاد الأوضاع تعقيدا. هذا إلى جانب البطالة والعجز فعليا عن توفير الوظائف والعمل للشباب العاطلين وخريجي الجامعات، والتحديات تزداد يوما بعد الآخر.
وهذا ما أثر على الاقتصاد خارجيا وداخليا، حيث شهدت أسعار المواد الغذائية والأساسية ارتفاعا صادما لشعب لم يستفق بعد من "صدمة التغيير". كما شهد الدينار التونسي هبوطا غير مسبوق، ما يصاعد من مخاوف التضخم، وكذلك كيفية تسديد ديون البلاد التي تم اقتراضها من ٢٠١١ إلى الآن. كذلك قطاع الصحة العمومية التي تدهورت خدماتها بشكل لم يعهده ولم يتعود عليه التونسيون من قبل.
ومجال التّعليم الذي تراجع مستواه بشكل مخيف، خاصة على مستوى البرامج التعليمية التي أصبحت تحوي مواد غير منسجمة ولا متناسقة وليست بالمستوى القوي الذي أسسه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، ما جعل مستوى التعليم يتراجع نوعيا إلى أكثر من نصف قرن إلى الوراء.
وللحديث بقية..
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة