الانتخابات المحلية التركية.. حسابات وتحالفات على وقع أزمة اقتصادية
حركة مستمرة داخل أروقة الأحزاب المختلفة لإعلان كل حزب عن استراتيجيته خلال الانتخابات ليخرج منها محققا أكبر المكاسب.
بدأت الأحزاب السياسية التركية المختلفة في تسريع وتيرة أعمالها لإنهاء استعداداتها للانتخابات المحلية التي من المقرر إجراؤها في مارس/آذار المقبل، وذلك على وقع أزمة اقتصادية كبيرة تعيشها البلاد منذ فترة.
- صحيفة فرنسية: تركيا "نموذج" لعصف ديكتاتورية السياسة بالاقتصاد
- التردي الاقتصادي يزداد في تركيا مع تراجع الزراعة بنسبة 1.5%
وشهدت تركيا على مدار الفترة الماضية حركة مستمرة داخل أروقة الأحزاب المختلفة لإعلان كل حزب عن استراتيجيته التي من المنتظر أن ينتهجها خلال الانتخابات.
ويسعى كل حزب من تلك الأحزاب إلى ترتيب أوراقه بحسب حساباته الخاصة ليخرج من هذه الانتخابات محققا أكبر المكاسب التي تحقق له أهدافه التي يسعى إليها، لا سيما الأحزاب التي لها تمثيل برلماني، وهي العدالة والتنمية الحاكم، والشعب الجمهوري زعيم المعارضة، والشعوب الديمقراطي ذو الأغلبية الكردية، والحركة القومية، فضلا عن حزب "ايي".
ويأتي على رأس هذه الأحزاب حزب العدالة والتنمية، الذي يخطط للتغلب على آثار الأزمة الاقتصادية الحالية التي فقدت فيها الليرة التركية أكثر من 40% من قيمتها.
ويخشى الحزب أن تؤدي الأوضاع الاقتصادية الراهنة إلى فقده أصوات الناخبين كما حدث في الانتخابات التي شهدتها البلاد في عام 2009 إبان الأزمة الاقتصادية العالمية، حينما فاز بنسبة 39% من الأصوات.
ويرغب الحزب الحاكم في عدم خسارة ولو جزء قليل من البلديات التي يسيطر عليها، لذا فإن هناك ميلا كبيرا لدى الحزب للإبقاء على "اتفاق الجمهور" الذي سبق وأن أبرمه مع حزب الحركة القومية، خلال الانتخابات الرئاسية والنيابية المبكرة التي شهدتها البلاد في 24 يونيو/حزيران الماضي.
وتتلاقى أهداف حزب الحركة القومية مع نظيرتها لدى العدالة والتنمية، إذ يرغب الأول في الحفاظ على سيطرته على عدد من البلديات مثل أضنة، ومرسين، ومانيسا، من خلال دعم الأخير له في إطار الاتفاق بينهما.
والحزب الحاكم أيضا يرغب، من خلال دعم الحركة القومية، في الحيلولة دون سيطرة قوى المعارضة الأخرى على بلديات أهم مدينتين؛ هما العاصمة السياسية أنقرة، ونظيرتها الاقتصادية إسطنبول.
واعتبر محللون أن "العدالة والتنمية" من الممكن أن يسمح بعدم خسارة الحركة القومية لما لديه من بلديات مقابل إبقاء سيطرته على بلديات المدن الكبرى التي تتسبب خسارتها في تشكيل انكسار نفسي بالنسبة له كحزب.
يأتي بعد ذلك حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعم تيار المعارضة في البلاد، والذي من أهم حساباته في هذه الانتخابات أن ينجح في الحفاظ على ما لديه من بلديات كان قد فاز مرشحوه بها في الانتخابات المحلية الماضية.
وطرح عدد من أنصار الحزب، خلال الآونة الأخيرة، فكرة الاتفاق مع حزب الشعوب الديمقراطي، غير أن إدارة الحزب لم تعلن بعد موقفها من هذا الطرح.
وكان الاتفاق بين العدالة والتنمية والحركة القومية له بالغ الأثر بلا شك في خلق حالة من الذعر داخل حزب الشعب الجمهوري، الذي يسعي للحافظ على 9 بلديات كبرى كان قد فاز بها في الانتخابات الماضية عام 2014.
وفي سياق متصل، خرجت بعض الأصوات من داخل الحزب لتتحدث عن إمكانية خسارة هذه البلديات في الانتخابات المقبلة، لا سيما أن هناك استطلاعا للرأي أجري مؤخرا وأكد هذه الاحتمالية إذا خاض العدالة والتنمية والحركة القومية الانتخابات في ظل الاتفاق المبرم بينهما.
وذهب الاستطلاع ذاته إلى القول إن الشعب الجمهوري إذا عقد اتفاقا مع حزب "ايي" المعارض، سينجح في الفوز بعدد من هذه البلديات التسع. هذا في الوقت الذي أعلن فيه الأخير، الأربعاء، أنه يجري استعداداته كافة وكأنه سيخوض الانتخابات المقبلة بمفرده دون إبرام تحالفات مع أحد.
وذهب بعض القياديين داخل حزب الشعب الجمهوري إلى القول إن الاتفاق مع الشعوب الديمقراطي سيمكن الشعب الجمهوري من الفوز ببلدية مدينة إسطنبول.
وبحسب محللين، فإن هناك صيغا تُناقش بين الحزبين لإبرام "اتفاق خفي"، وإن كان زعيم المعارضة التركية ينفي ذلك بين الحين والآخر.
وتبقى كل هذه الأقوال مجرد تكهنات سرعان ما ستتبدد بمجرد أن يعلن الشعب الجمهوري استراتيجيته الانتخابية، الجمعة.
على الجانب الآخر، تتجه الأحزاب اليسارية غير الممثلة في البرلمان لاستغلال الأزمة الاقتصادية في البلاد خلال حملاتها الانتخابية للنيل من الخصوم، لا سيما الحزب الحاكم المتهم الأول بشأن تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير.
وتتخوف هذه الأحزاب من عدم إجراء هذه الانتخابات بشكل نزيه، كما حدث في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، هكذا كانت تصريحات كل من سلمى غورقان، زعيمة حزب "العمل"، وألبر طاش، المنتمي لحزب "الحريات والتضامن".
وقالت غورقان، في تصريحات صحفية، مؤخرا، إن "الانتخابات المقبلة لن تكون نزيهة، فلقد علق حزب العدالة والتنمية جميع القواعد من أجل إنشاء نظام الرجل الواحد".
وذكرت أن "الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد ستكون الركيزة الأساسية التي سنوضح من خلالها للناخبين فشل ذلك الحزب، لا سيما أن ظروف المعيشة، والعمل في البلاد باتت صعبة للغاية، ونالت من الطبقات كافة".
تجدر الإشارة إلى أن أحزاب "ايي" والشعب الجمهوري، و"السعادة" شكلت تحالف "الأمة" وخاضت بموجبه الانتخابات البرلمانية الأخيرة، في مواجهة "تحالف الشعب" الذي ضمّ حزبَي العدالة والتنمية، والحركة القومية.