نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة عكست حالة القَلق التي تسود حزب العدالة والتنمية الحاكم وحلفاءه الذين باتوا يواجهون انقسامات داخلية.
عكست نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة حالة القَلق التي تسود حزب العدالة والتنمية الحاكم وحلفاءه الذين باتوا يواجهون انقسامات داخلية، بينما يتكتل أعداء الرئيس أردوغان رغم التناقضات العديدة بينهم، للإطاحة به وإنهاء فترة سيطرة حكمه على مقدرات الدولة التي امتدت لأكثر من خمسة عشر عاماً، بحيث شكلت ضربة قوية له وهزت صورته كزعيم لا يقهر في نظر مؤيديه، وينظر لهذه الخسارة كتقييم لحكمه واستفتاء على نفسه، وبدت فيها المعارضة المنقسمة على نفسها قد عادت وبكل حيوية للحياة السياسية من جديد.
العداء تجاه أردوغان وصورته في الغرب كديكتاتور يعيد تركيا إلى الوراء، ويعيد التذكير بماضيها العتيد في محاربة القوى الغربية. وبنفس الوقت يمثّل أردوغان واجهة لفكر الإخوان المسلمين لدى كثير من الباحثين والمتابعين، وحالة النفور من الإسلام السياسي ككل
إن الدور التركي واضح في دعم التطرف، وله مخاطر مستقبلية على دول منطقة الشرق الأوسط، فالتيار العثماني يعمل على إحداث تغيير جذري في أيديولوجيات مناطق كثيرة من العالم. لقد أصبحت مدينة إسطنبول معقلاً لقيادات الإخوان والإرهابيين، كما صارت مطاراتها ومنافذها على سوريا مركزاً لاستقطاب وتدريب الشباب المتطرف، فضلاً عن ذلك فإن الأراضي التركية ما زالت تحتضن قنوات فضائية محرضة على العنف في الشمال الأفريقي، إلى جانب تحالف أردوغان مع قوى الشر وشكل تحالفه مع الدوحة الذي يعد محوراً في دعم الإرهاب، كما جرى تمتينه بتوقيع اتفاقيات للتعاون الاستراتيجي.
وقد برز بلال نجل الرئيس التركي مقاولا للإرهابيين، ومشرفا على مراكز تدريبهم في الحدود التركية - السورية، كما انتشرت له صور تجمعه بالعناصر الإرهابية مع منتديات الداعشيين، وسمساراً لتجارة النفط غير المشروعة بين المصانع التركية وتنظيم داعش خلال مرحلة استغلال تركيا لموارد الأراضي التي سيطرت عليها في سوريا والعراق.
إن السفن التركية الداعمة للإرهاب لا تمر فقط إلى ليبيا عبر البحر المتوسط، وإنما تجوب البحار وتصل إلى العديد من مناطق النزاعات في القارة الأفريقية، وسبق أن ضبطت السلطات اليونانية السفينة –أندروميدا- قبالة جزيرة كريت، وكانت محملة بمتفجرات وعلى متنها تسع وعشرون حاوية من المواد المتفجرة تتنوع بين صواعق ونترات الأمونيوم ومواد يمكن استخدامها للأعمال الإرهابية. وقد كانت هذه السفن متجهة من تركيا إلى ميناء مصراتة في ليبيا. كما طالبت مصر بتحقيق مجلس الأمن في الواقعة التي خرقت قرار المجلس حول حظر التسليح عن ليبيا أو دعم المليشيات، وضبط العديد من سفن وحاويات السلاح التركي في موانئ عربية وعبر الطائرات وحتى في صناديق المساعدات الإنسانية.
عندما خَيّر الرئيس أردوغان أمريكا بين الخيارين التركي أو الكردي ردت عليه بالتجاهل، ووقفت إلى جانب الأكراد وزادت من دعمها العسكري والمالي والسياسي لهم، فطالبته المعارضة بأن يحدد موقفه ما بين المعسكر الأمريكي الذي يريد أن يُفَتِّت بلاده، ويُزعزع استقرارها، وأمنها ويقيم كياناتٍ عرقية وطائفية على أرضها، أو المعسكَر الآخر الذي يواجه التطرف والإرهاب في المنطقة، وما تتعرض له تركيا من تناقضات تشكل تحدياً حقيقياً لزعامته، وما زال يراهن على الحليف الأمريكي القديم، وإصلاح العلاقات معه وإعادة المياه إلى مجاريها السابقة. وما لا يدركه الرئيس أردوغان أن أمريكا ترى الأُمور في الشرق الأوسط من المنظور الإسرائيلي، والغرب ما زال يعتقد أن تركيا تشكل تهديداً له.
العداء تجاه أردوغان وصورته في الغرب كديكتاتور يعيد تركيا إلى الوراء، ويعيد التذكير بماضيها العتيد في محاربة القوى الغربية. وبنفس الوقت يمثّل أردوغان واجهة لفكر الإخوان المسلمين لدى كثير من الباحثين والمتابعين، وحالة النفور من الإسلام السياسي ككل، حيث يتضمن هذا المصطلح في ثناياه لدى المواطن الأوروبي العادي كل أشكال الأيديولوجية المناهضة للحضارة الغربية ابتداء من أشدها تطرفاً الدواعش، وليس انتهاء بالإخوان المسلمين.
وقد توعّد السياسي الألماني مانغريد الذي يعد أبرز المرشحين لرئاسة المفوضية الأوروبية بإنهاء محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في حال فوزه. وتبدو تركيا في نظر المعارضة ذات ديكتاتورية متسلطة عملت على سحق الديمقراطية من خلال حملات واسعة استهدفت المئات من ضباط الجيش والشرطة والعشرات من الصحفيين ورجال الإعلام، وحصد أردوغان جائزتين في انتهاك حرية الصحافة. وقد احتلت تركيا المرتبة 155 من أصل 180 في ترتيب حرية الصحافة عالمياً وهذه نابعة من الاستئثار بالسلطة وحكم الفرد.
برلين ومن خلال الاتحاد الأوروبي، تضع أساساً عملية فرض عقوبات على الرئيس التركي في المستقبل القريب جراء إشكاليات سياسية على المصالح الغربية، وتأتي نتيجة متزامنة مع اكتشاف ألمانيا بتورط أردوغان بتهريب غاز السارين المحرّم دولياً واستخدامه بحق مدنيين عزل، وأظهر تحقيق استقصائي للصحفي الأمريكي سيمون هيرش أن لتركيا دوراً في امتلاك جبهة النصرة بسوريا كميات من غاز السارين الذي يُعدّ سلاحاً كيماوياً، وأن بعضاً من المسلحين حصلوا عليه من شركة زيرف إكسبورت التركية، بمعرفة الاستخبارات التركية والعمليات الإرهابية النكراء التي تحققت من خلال الدعم التركي للفصائل المسلحة بهدف الهيمنة وخلط الأوراق واستثمار أدواتها الآيلة للسقوط والانهيار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة