نظام أردوغان وإسرائيل.. علاقة متينة خلف ستار المتاجرة بقضية فلسطين
تركيا تجمعها علاقات قوية مع الاحتلال الإسرائيلي، بينما يواصل نظامها بزعامة أردوغان اللعب على مشاعر المسلمين حول العالم.
رغم أن العلاقات الرسمية التركية الإسرائيلية بدأت في مارس/آذار عام 1949، وأصبحت تركيا أول دولة ذات أغلبية إسلامية تعترف بإسرائيل كوطن قومي لليهود على حساب الفلسطينيين، إلا أن النظام التركي لا يترك مناسبة إلا ويتاجر بالقضية الفلسطينية بالكلمات الرنانة في محاولة خداع دأب عليها.
تركيا التي تجمعها علاقات اقتصادية وعسكرية وسياحية هي الأقوى مع الاحتلال الإسرائيلي، يواصل نظامها بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللعب على مشاعر المسلمين حول العالم من خلال أقوال باتت مكشوفة للرأي العام، وخاصة أنها لا تقترن بأفعال على الأرض.
العلاقات التركية الإسرائيلية ظلت قوية منذ بدايتها ولم تتوتر ولو ظاهريا حتى بعد تولي أردوغان الحكم بست سنوات، حين انتقد سلوك إسرائيل خلال الحرب على غزة عام 2009 بهدف كسب شعبية زائفة بين الجماهير التركية والعربية والإسلامية دون المساس بالتحالف القوي مع دولة الاحتلال.
مسرحية أردوغان
إن كانت بعض النظريات السيكولوجية تنحو لاعتبار الزعيم وإثارة الجلبة والانفعال الزائد عن الحد، سلوكاً تعويضياً لدرء تهمة ما وإظهار عكسها، فكذلك هو أمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع القضية الفلسطينية.
ففي جميع تصرفاته التي يعمل جاهدا من خلالها على الظهور بمظهر المتبني الأوحد لقضية الشعب الفلسطيني، مزايدا على الآخرين، يتخذ أردوغان أساليب تهييجية وانفعالية، علّها تغطي على حقيقة كونه الرئيس الوحيد الذي شهد عهده انتعاشا في العلاقات بين أنقرة ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
فالعلاقات التركية الإسرائيلية والتي انطلقت عام 1949، لم تتأثر بتولي حكومة العدالة والتنمية الإخوانية مقاليد الحكم في تركيا عام 2002، ليعمل الحزب على تعزيز الاتفاقات السابقة مع إسرائيل، غير آبه بتناقض خطابه الذي يظهر حماسه للقضية الفلسطينية، ويبطن تعزيزا للتجارة والعلاقات العسكرية مع الكيان الصهيوني.
ولم يقتصر تعاون أردوغان مع الاحتلال الإسرائيلي على الاتفاقيات السابقة لينقل العلاقة مع تل أبيب إلى مرحلة "الاستراتيجية"، فحتى مسرحية أردوغان بانسحابه من قمة دافوس في العام 2009، لم تؤثر على الاتفاقيات العسكرية بين البلدين، والتي تجعل من إسرائيل المورد الأول للأسلحة بالنسبة لتركيا.
تعاون عسكري
تركيا التي تُعد ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الأسرائيلي، زادت التعاون العسكري مع إسرائيل منذ الاحتلال التركي لشمال جزيرة قبرص عام 1978، والذي أدى إلى عقوبات أمريكية أوروبية على قطاعها العسكري واعتمدت أنقرة آنذاك على الجانب الإسرائيلي في تحديث الجيش التركي.
وظلت الاتفاقيات العسكرية التي بدأت بـتحديث (F - 4) فانتوم تركيا وطائرات (F - 5) بتكلفة 900 مليون دولار، مرورا بترقية إسرائيل لـ170 من دبابات M60A1 لتركيا مقابل 500 مليون دولار، قائمة، وصولاً للاتفاق الذي يقضي بتبادل الطيارين العسكريين بين البلدين 8 مرات في السنة.
هذا الاتفاق الذي يعمل على تدريب وصقل قدرات الطيارين الإسرائيليين ليصوبوا على رؤوس الفلسطينيين بدقة، في تناقض مربك لموقف الرئيس التركي وحزبه تجاه القضية الفلسطينية.
نوايا خبيثة
أردوغان الذي لطالما اكتفى بالصياح في دعم الفلسطينيين لا يتوانى كذلك عن تعميق هوة الانقسام في صفوفهم عبر الدعم المستمر لحركة "حماس"، وتجاهل التعامل مع السلطة الفلسطينية، إلى جانب تعزيز التبادل التجاري والعسكري مع عدوهم الذي يحتل أرضهم.
ولا تنفصل لعب أردوغان بالقضية الفلسطينية والتي وصفها وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في حديثه لصحيفة "معاريف" العبرية في سبتمبر الماضي بـ"فريمني" أي الصديق العدو، عن طموحه بالسيطرة على المنطقة العربية على أجنحة تنظيمات الإسلام السياسي المنبوذة.
فالوزير الإسرائيلي يشير إلى أنهم لا يأبهون لعنتريات أردوغان ضدهم خلال وسائل الإعلام، طالما أنها لا تمنعه من جعل حجم التجارة عبر حيفا نحو 25% من تجارة تركيا مع دول الخليج العربي.
ويشير إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تتعايش مع أردوغان، بالرغم من مسرحياته، وهي تعي أنه يعتبر نفسه قائد الإخوان المسلمين بالعالم ويحاول أن يقود العالم الإسلامي.
كما أن خطابات أردوغان الشعبوية بخصوص القضية الفلسطينية لا تختلف كثيرا بحسب محللين عن هتافات جماعة الإخوان الإرهابية التي يرعاها أردوغان ممنيا نفسه بخلافة إسلامية شبيهة بحقبة الاحتلال التركي للدول الإسلامية.
وكذلك اقتصار الدعم التركي في عهد أردوغان على حركة "حماس"، واستضافة أنقرة لتجمعات الإرهابيين المطلوبين وإنشائها لإذاعات ومحطات بث تلفزيونية للتبشير بمشروع الإخوان القائم على هدم الدولة الوطنية الحديثة، يماثل في هتافيته مواقف أردوغان الإرتجالية بخصوص العلاقة مع إسرائيل، في أي من هذه النقاط يحتشد بآلاف التناقضات.
تبادل تجاري
كل هذه الأمور لم تمثل عائقا أمام وصول التبادل التجاري بين تل أبيب وأنقرة إلى مبالغ كبيرة وخيالية، بل على العكس، فإن شركات الطيران التركية تعد أكبر ناقل الجوي من وإلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما أن حجم التبادل التجاري ونقل البضائع عبر حيفا ازداد كثيرًا حتى قبل عودة العلاقات بعد أزمة السفينة مرمرة.
وتعتبر إسرائيل واحدة من أهم 5 أسواق تسوّق فيها تركيا بضائعها، حيث بلغت المبادلات التجارية بين البلدين في العام 2016 أكثر من 4.2 مليار دولار لترتفع بنسبة 14% في العام 2017.
ففي الربع الأول من العام الماضي 2017 ارتفعت الصادرات التركية إلى إسرائيل بنسبة 20% في حين أن الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا ارتفعت بنسبة 45%.
ووصل التبادل التجاري بين إسرائيل وتركيا إلى 3.9 مليار دولار سنويا، حيث يقول المسؤولون الإسرائيليون والأتراك إنهم يطمحون لرفعه إلى 10 مليارات دولار في غضون السنوات الخمس المقبلة.
وفي عام 2013 أشار مدير سلطة الطيران المدني الإسرائيلي إلى أن شركات الطيران التركية تقوم بأكثر من 60 رحلة جوية أسبوعياً إلى إسرائيل، وتنقل بين إسرائيل وتركيا أكثر من مليون مسافر سنويا، حيث تعتبر تركيا من بين الوجهات المفضلة للإسرائيليين.
بالأرقام الأممية.. تركيا لا تدعم الفلسطينيين
ورغم كل الأموال التي ينفقها النظام التركي على الترويج الإعلامي لخلق فكرة وهمية أنه يدعم القضية الفلسطينية والفلسطينيين أكثر من غيره، يأتي تقرير صادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ليسقط كل الأقنعة، ويفضح المتاجرين بالفلسطينيين وقضيتهم.
ويرصد التقرير الذي صدر العام قبل الماضي أهم المتبرعين والداعمين للفلسطينيين واللاجئين منهم على مستوى العالم، ومن بين أهم 20 داعما ومتبرعا لا يظهر اسم تركيا ولا قطر ولا إيران على الإطلاق.
ولكن يمكن بوضوح رؤية اسم المملكة العربية السعودية في المركز الرابع بإجمالي يصل إلى 96 مليون دولار تقريبا في عام واحد. وجاءت الكويت في المركز الثامن، بإجمالي 32 مليون دولار. أما الإمارات العربية المتحدة فجاءت في المركز الـ12 بإجمالي 17 مليون دولار تقريبا.
وحتى في قائمة أكبر 20 داعما "غير حكومي" للاجئين الفلسطينيين عالميا، اختفت أسماء قطر وتركيا وإيران، بينما يمكننا رؤية اسم بنك التنمية الإسلامي في جدة بالمركز الثاني على مستوى العالم، بإجمالي تبرعات بلغت 40 مليون دولار. وجاء بعده الهلال الأحمر الإماراتي بأكثر من 8 ملايين دولار.
نشاطات تركية في تل أبيب
وعلى الرغم من التصريحات التي يصدرها مسؤولون أتراك، على رأسهم أردوغان ضد إسرائيل، إلا أن السفارة التركية في تل أبيب لا تتوقف عن تنظيم الفعاليات التركية في إسرائيل.
فمن معرض للأثاث تنظمه وزارة الاقتصاد التركية في مدينة تل أبيب، إلى احتفال السفارة التركية بـ"اليوم التركي" في القدس الغربية، وصولا إلى الاحتفال بعيد "الحانوكاه" اليهودي، يظهر التناقض الكبير بين الأقوال التي يطلقها الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، وبين الأفعال على الأرض.