بات جليا أن الحكومة التركية جعلت من قضية القس الأمريكي قميص عثمان كي تغطي على سلسلة إخفاقات سياسية.
بعد ثورة 30 يونيو عام 2013 انهمرت فتاوى شيوخ “الإخوان” وبدأت أوركسترا إعلامهم تدق طبول الحرب المالية على مصر، لأن الشعب استرد الدولة من مخالب مكتب الأوغاد، وكانت الأزمة الوحيدة لكل أولئك هي أن الانقلاب يعسكر الاقتصاد، وأي دولار أو يورو يحوله المغتربون سيدعم العسكر، ويسمح لهم بالمزيد من البطش والقمع.
يومذاك لم تهدأ أنفاسهم عن النفخ في كير التحريض، بدءا من “الجزيرة” ومنظومة القنوات والصحف الدائرة بفلك الجماعة، وليس انتهاء بقطر وتركيا بوصفهما الملاذ الآمن لقادة “الإخوان”، وراحوا يبتدعون الفتاوى بهذا الشأن.
اليوم حين يرفع “الإخوان”، بمن فيهم بضعة نواب وإعلاميين وخارجين على القانون كويتيين هربوا إلى أنقرة، شعار دعم الليرة “لإجهاض المؤامرة التي تتعرض لها تركيا”، كما يزعمون، يتناسى هؤلاء عمدا الوضع السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط والعالم وتأثيراته السلبية على مجمل دول الإقليم، ومن ضمنها تركيا.
هذا التحريم انقلب، بقدرة قادر، حلالا زلالا في فتاوى الجماعة ذاتها، بمن فيها من شيوخ وقادة وإعلاميين، إثر خلل في الأداء السياسي لحكومة حزب العدالة والتنمية التركية انعكست تداعياته على الوضع الاقتصادي، وبعدما تعارضت رؤى الحكم الإخواني العثماني مع رؤى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحولت قضية قس ألبس تهمة التجسس إلى إعلان حرب بين أنقرة وواشنطن.
منذ أيام يتنافس مفتو التحريض في مصر وتركيا وقطر، وبعض دول الخليج، لابتداع فتاوى واهية بضرورة دعم “الدولة الإسلامية” التركية ماليا عبر تسييل الذهب وتحويل العملات الصعبة إلى الليرة.
هذا التناقض بالحلال والحرام دأبت عليه الجماعة منذ 80 عاما، حين حاولت تصوير الإسلام كما تشتهي، وليس كما أنزله الله سبحانه على رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم)، ولا حتى بما يتفق مع الفطرة الإنسانية.
ما يفوت هؤلاء أن تركيا عام 1989 حين فاز تورغوت أوزال بالرئاسة أطلقت عملية إصلاح اقتصادي طويلة الأجل، استندت فيها على شعار “صفر مشكلات مع الجوار”؛ ما دفع بالاقتصاد التركي إلى مستويات متقدمة من الإنتاج والصناعات، ففتحت أسواق جديدة، وهو ما جعل سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي 1.42 عام 2006، لتصل في خضم الأحداث التي شهدها الإقليم إلى نحو 3.11 العام الماضي.
اليوم حين يرفع “الإخوان”، بمن فيهم بضعة نواب وإعلاميين وخارجين على القانون كويتيين هربوا إلى أنقرة، شعار دعم الليرة “لإجهاض المؤامرة التي تتعرض لها تركيا”، كما يزعمون، يتناسى هؤلاء عمدا الوضع السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط والعالم وتأثيراته السلبية على مجمل دول الإقليم، ومن ضمنها تركيا.
بات جليا أن الحكومة التركية جعلت من قضية القس الأمريكي قميص عثمان كي تغطي على سلسلة إخفاقات سياسية منيت بها خلال الأشهر الماضية؛ ما أدى إلى الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة، وكما هي العادة في التضليل صورت الأمر على أنه القشة التي قصمت ظهر البعير بالعلاقة مع الولايات المتحدة، تماما كما هي حال كل الدول التي تؤثر الأحداث السياسية فيها على القيمة الشرائية للعملة، فهكذا هي الحال مع إيران التي اختارت المكابرة ضد العالم، وكوريا الشمالية، وغيرها وغيرها.
لذا، حين تشيح جماعة “الإخوان” نظرها عن هذا الواقع، ويظهر الانفصام في شخصيتها بتلك الحدة، فإن ذلك يؤكد أن كل الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية، ولا سيما مصر ودول الخليج، باستثناء قطر، ضد الجماعة كانت الخيار الصحيح كي لا تحكم مجموعة معتوهين تلك الدول، وتجعلها مزارع تدار بالوكالة من أنقرة أو طهران، ولأنه لا يصح إلا الصحيح، فلن تنطلي فتاوى المدلسين المنافقين على المسلمين.
نقلا عن السياسة الكويتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة