عام على مقاطعة قطر.. أردوغان يصطاد في الماء العكر
الانتهازية السياسية لأردوغان في التعامل مع أزمات المنطقة جعلته يستغل المقاطعة العربية لقطر من أجل مزيد من إثارة القلاقل والفتن.
لم يجد النظام التركي تحت قيادة رئيسه رجب طيب أردوغان لقمة سائغة يستطيع من خلالها تنفيذ أجندته الخاصة في الشرق الأوسط مثل قطر.
- إنفوجراف.. قطر تحرق رهانها الأخير بعد جولة أردوغان
- أردوغان يصل للقاع.. اعترض موكب منافسته بـ"شاحنة قمامة"
العناد القطري دفع بالدوحة نحو مزيد من الابتعاد عن محيطها العربي خلال عام من المقاطعة العربية من قبل دول الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، ما جعل تنظيم الحمدين ألعوبة في أيدي أردوغان يستخدمها لتعكير صفو المنطقة.
آلام عفرين
ففي الوقت الذي روجت فيه الدوحة كذبا كونها فاعلا إقليميا بارزا في ملفات السياسة الدولية على الساحة العربية، وإبراز دورها المؤثر في الأزمة السورية الأكثر احتقانا في الجسد العربي، بمزاعم الحفاظ على الجسد العربي، دعمت الدوحة العدوان التركي في عملية "غصن الزيتون" ضد أكراد شمال سوريا، تلك العملية التي لاقت كثيرا من الرفض الدولي وأحدثت كارثة إنسانية لم يكن الوضع السوري في حاجة إليها.
فمن بين كل الأطراف الإقليمية والدولية لم يجد النظام التركي من يدعم غاراته على عفرين السورية ضد الأكراد في يناير/كانون الثاني الماضي، بمزاعم حفظ أمن البلاد القومي، سوى تابعه نظام الشر في الدوحة.
ومع ذلك، احتاجت الدوحة، على الصعيد الرسمي، إلى 4 أيام كي تستطيع اختلاق أعذار لشرعنة حملة حليفتها في عفرين، بعدما جندت أبواقها منذ الساعات الأولى، للترويج للتدخل التركي.
وزعمت المتحدثة باسم الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، أن إطلاق الجيش التركي عملية "غصن الزيتون" في عفرين السورية جاء مدفوعا بمخاوف مشروعة متعلقة بأمن تركيا الوطني وتأمين حدودها.
وأوردت الدبلوماسية القطرية سببا لم يحاجج به النظام التركي نفسه، وهو "حماية وحدة الأراضي السورية من خطر الانفصال".
ولأن إمارة الحمدين ليس لها حليف في أيامها هذه سوى أنقرة، انتهت إلى تأييد الحملة رسميا، وسط تكثيف أذرعها للدعاية المناصرة للغارات التركية.
وكان لافتا التجاهل المتعمد من قبل إعلام قطر لردود الفعل المتحفظة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، على هذه العملية العسكرية.
وآخر هذه التداعيات، الضغط الذي تتعرض له برلين من حقوقيين وخبراء للتحقيق في استخدام النظام التركي دبابات ألمانية في حملتها التي راح ضحيتها مدنيون.
نظام الحمدين الذي واجه المقاطعة العربية لردعه عن أنشطته في مجال دعم وتمويل الإرهاب وإثارة القلاقل بالمنطقة، كان الشعب السوري بكل طوائفه ضحية مباشرة لانسياقه المخجل خلف أطماع أنقرة في سوريا، أو عن طريق تمويل الفصائل الإرهابية المتقاتلة.
قاعدة عسكرية
وفي مؤشر على إحكام نظام أردوغان قبضته العسكرية على قطر، وقعت الأخيرة اتفاقا مع شركة "BMC" التركية لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية شمال البلاد.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية، أن التوقيع على الاتفاق الذي جرى بين القوات الخاصة القطرية والشركة التركية، قبل يومين، جاء على هامش فعاليات معرض ومؤتمر الدوحة الدولي للدفاع البحري "ديمدكس 2018".
ونقلت الوكالة القطرية عن حمد بن عبدالله الفطيس المري، قائد القوات الخاصة القطرية، قوله إن قاعدة "بروج" تشمل مركزا للتدريب والتجهيز، وستوجد بها كتيبة بحرية بصورة دائمة؛ للقيام بالدوريات والعمليات البحرية.
وأشار إلى أن "بروج" ستكون بمثابة قاعدة للعمليات الخاصة البحرية ومركز للتدريب، دون أن يذكر مزيدا من التفاصيل عن قيمة العقد، وموعد البدء في بناء القاعدة، وما إذا كان من المخطط استخدامها من قبل القوات التركية.
والدعم العسكري التركي لقطر أمر متوقع، في ظل انسجام التوجهات السياسية بين أردوغان وتنظيم الحمدين، لا سيما في رعايتهما للإرهاب، ومخططاتهما لزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وهو ما ظهر جليا بعد المقاطعة العربية للدوحة، حيث نشر النظام التركي مزيدا من قواته في هذه الدولة الخليجية.
ومنذ بدء المقاطعة العربية لقطر في 5 يونيو/حزيران 2017، تحاول الدوحة الاحتماء بالغريب، فيما تُصر الدول الداعية لمكافحة الإرهاب على إيجاد حل خليجي سلمي للأزمة.
وفي منتصف العام الماضي، ذكر موقع "ميدل إيست مونيتور" في تقرير، أن "أردوغان استقدم وحدات خاصة من قطر عقب محاولة الانقلاب الفاشل، في يوليو/تموز الماضي، لحماية نفسه من محاولة اغتيال محتملة"، وأن "قطر أرسلت 150 جندياً من قواتها الخاصة إلى تركيا عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة لتأمين أردوغان".
وأوضح الموقع أن وثيقة للسفارة القطرية في أنقرة تضمنت الإشارة إلى أن "أردوغان هو من أرسل بنفسه طلب إرسال وحدات خاصة قطرية إلى تركيا، وبناء عليه أرسلت السلطات القطرية 150 من أفراد القوات الخاصة إلى تركيا لتأمين أردوغان".
وأرجع البعض طلب أردوغان حراسة من قطر إلى أن الرئيس التركي لم يكن يثق في أي جهة تركية خلال أحداث الانقلاب، فلجأ إلى الاستعانة بقوات خارجية. فيما قال البعض الآخر إن الحديث يجري عن قوات خاصة "أجنبية" تعمل في قطر.
الاصطياد في الماء العكر
لا يزال التحدي والمكابرة هما شعارا الجانب القطري بعد عام من قرار الدول العربية قطع العلاقات الدبلوماسية معه.. أزمة دبلوماسية استغلها الجانب التركي، لتمرير أجندته في المنطقة، وبالأخص بعد أن استعانت قطر بالوجود العسكري التركي.
فالانتهازية السياسية.. كانت سمة الوضع التركي، حيث القواعد العسكرية التركية، وبالأخص في قطر ليست من أجل مساندة حليف، ولكن هدفها التسويق لفكرة القواعد العسكرية، وضمان الوجود في منطقة الشرق الأوسط، بخلاف تحقيق المصالح الاقتصادية الخاصة بها، إذ يسعى أردوغان للحصول على دور أكبر والدخول مع الدول الكبرى التي تملك قواعد عسكرية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وفي حين سارع البرلمان التركي إلى إقرار قانون يسمح بنشر جنود أتراك في قاعدة "الريان" العسكرية التركية في قطر، أكد الجيش التركي في أحد بياناته الصادرة عقب الأزمة، أن الاتفاقية التي وقعت بين الدوحة وأنقرة حول إقامة القاعدة دخلت حيز التنفيذ في 15 يونيو/حزيران من العام الماضي.
ويعود تاريخ تلك القاعدة إلى أكتوبر/تشرين الأول 2015؛ حيث صدّق أردوغان على نشر القوات التركية، وبعد الأزمة الخليجية العربية مع قطر، قامت تركيا بنشر قوات تقدر بـ5 آلاف جندي.
وتعنى القاعدة العسكرية التركية في قطر الكثير لأنقرة على صعيد توسيع دورها وتمدد نفوذها في المنطقة، حيث ستمنحها إطلالة على الخليج العربي، ووجودا عسكريا مباشرا.
هذا التوافق الأيديولوجي بين قطر وتركيا وتنظيم الإخوان الإرهابي بدا المحرك الأساسي للعلاقة بينها، إذ إن تركيا تسعى إلى انتهاز كل موقف لتمرير أجندتها الخاصة، كما يؤكد أن السياسة الخارجية التركية منذ 2010 تستدعي في جميع تحركاتها التاريخ العثماني؛ محاولةً إحياء عصر منتهٍ.
aXA6IDMuMTQ1LjkzLjIyNyA= جزيرة ام اند امز