العلاقات المصرية الإماراتية.. أفق جديد للتعاون الاستراتيجي
كشفت زيارة السيسي للإمارات عن أن العلاقات بين البلدين ستتجه نحو مزيد من التعاون المستمر وأن هناك قواسم مشتركة في الرؤى والسياسات
جاءت زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الرسمية إلى دولة الإمارات ولقاؤه مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية لتضع لبنة جديدة في إطار توطيد العلاقات المتميزة بين البلدين التي أصبحت النموذج الأبرز في العلاقات العربية العربية.
وكشفت نتائج القمة الإماراتية-المصرية، التي احتضنتها أبوظبي، الخميس، عن أن هناك استمرارا في النهج الذي قامت عليه العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية من التنسيق والتعاون والاحترام المتبادل في ظل العلاقات الأخوية الوطيدة بين حكام البلدين واعتراف مصر بدولة الإمارات فور إعلانها قيامها في 2 ديسمبر/كانون الأول عام 1971.
- دبلوماسيون: زيارة السيسي للإمارات دفعة قوية لمواجهة التحديات
- مكافحة الإرهاب.. رؤية مصرية إماراتية مشتركة
كل ذلك انعكس إيجابيا على مجمل العلاقات الثنائية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتوج هذا النهج في العلاقات بالتوقيع على مذكرتي تفاهم بشأن المشاورات السياسية بين وزارتي خارجية البلدين عام 2008، والتي تنص على أن يقوم الطرفان بعقد محادثات ومشاورات ثنائية بطريقة منتظمة لمناقشة جميع أوجه علاقتهما الثنائية، ولتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ومن أجل المزيد من التنسيق المشترك تم الاتفاق في فبراير/شباط عام 2017 على تشكيل آلية تشاور سياسي ثنائية تجتمع كل ستة أشهر مرة على مستوى وزراء الخارجية والأخرى على مستوى كبار المسؤولين، وهو ما يبرز حجم التعاون والتشاور بين البلدين على المستويات كافة.
وليس بجديد القول إن العلاقات بين الإمارات ومصر شهدت تقاربًا وتعاونًا بعد ثورة 30 يونيو في مصر على المستويين السياسي والاقتصادي، فالإمارات كانت على رأس الدول العربية التي أيدت الثورة وخيارات الشعب المصري، وبادرت بتقديم منحة مالية وعينية بقيمة 3 مليارات دولار في إطار حزمة منح خليجية لمصر بلغت 12 مليار دولار.
وواصلت دولة الإمارات دعمها للاقتصاد المصري بعد توقيع اتفاقية منحة تمويل المشروعات التنموية خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2013 بقيمة 4 مليارات و900 مليون دولار.
كما استمرت في نهجها الداعم للاقتصاد المصري، ومن ثم لم يكن غريباً أن تشهد السنوات الاخيرة تطوراً ملحوظاً في زيادة الاستثمارات الإماراتية في مصر، حيث وصل حجم الاستثمارات إلى ما يقارب 7 مليارات دولار، لتتبوأ الإمارات المركز الأول دوليا وعربيا من حيث الاستثمار الأجنبي في مصر، وفق البيانات الصادرة من الهيئة العامة للاستثمار في مصر مؤخراً.
الأمر نفسه أكده المهندس سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي الذي أشار إلى أن الإمارات تأتي في المرتبة الأولى من بين دول العالم المستثمرة في مصر بإجمالي رصيد استثمار مباشر قيمته 24.3 مليار درهم يعكس نشاط 990 شركة إماراتية مستثمرة في مصر حتى نهاية سبتمبر 2018.
ولفت المنصوري إلى أن الاستثمارات الإماراتية في مصر تعمل في عدد من القطاعات الحيوية تشمل القطاع المالي والمصرفي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والقطاع العقاري والنفط والسياحة والصناعات الدوائية والزراعة والتأمين وقطاع الموانئ والطيران وغيرها من القطاعات الحيوية.
دلالات الزيارة
أظهر نجاح زيارة الرئيس المصري إلى الإمارات ما تتمتع به العلاقات المصرية الإماراتية من تفرد وخصوصية وتعاون وتنسيق تجاه كافة القضايا الدولية والإقليمية.
وهذا ما اتضح بدوره في تصريحات ولى عهد أبوظبي بعد لقائه مع الرئيس المصري حيث قال سموه: "إن العلاقات بين الإمارات ومصر تاريخية واستراتيجية وتقوم على الثقة والتفاهم والمصير المشترك".
وأشار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أن المغفور له القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ظل يكن لمصر حبا كبيرا وتقديرا خاصا، حيث كان يعدها قلب العالم العربي وركيزة أساسية لأمنه.
كما أكد ولي عهد أبوظبي أن السنوات الماضية أثبتت متانة العلاقات الإماراتية - المصرية وخصوصيتها وما تستند إليه من إرث ثري وقواعد صلبة وإرادة سياسية قوية، حيث وقف البلدان معا بإخلاص وقوة ضد المخاطر التي استهدفت أمن المنطقة ومصالح شعوبها ومستقبل دولها.
ونوه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالتطور الكبير والنوعي الذي شهدته علاقات الإمارات ومصر خلال الفترة الماضية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها، والنمو الملحوظ في معدل التبادل التجاري بين البلدين، والزيادة الكبيرة في حجم الاستثمارات الإماراتية في القطاعات الاقتصادية المصرية المختلفة.
ولفت إلى الحرص المشترك على المضي قدما نحو مزيد من التطوير والدعم لهذه العلاقات خلال الفترة القادمة بما يصب في مصلحة الشعبين الشقيقين.
كما أشار سموه إلى أن الإمارات ومصر شريكتان في دعم السلام والاستقرار في المنطقة العربية والعمل من أجل مصالح شعوبها، والحفاظ على كيان الدولة الوطنية في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها، كما أنهما في جبهة واحدة ضد التطرف والإرهاب ومحاولات تهديد أمن وسلام مجتمعات المنطقة من قبل قوى متطرفة تخدم أجندات مشبوهة لأطراف لا تريد الخير لبلادنا وشعوبنا.
وقال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إن "مصر دولة عربية رئيسية وركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي، ونعد أمن مصر من أمن الإمارات وتقدمها وتطورها واستقرارها يمثل مصلحة للإمارات وكل العرب".
على الجانب الآخر، جاءت تصريحات الرئيس المصري في نفس السياق الذي عكس قوة ومتانة العلاقات بين البلدين، حيث أكد خصوصية العلاقات التي تجمع دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية وشعبيهما الشقيقين.
وأشاد الرئيس المصري بالمواقف المشرفة التي تتخذها دولة الإمارات العربية المتحدة لدعم مصالح الشعوب العربية وقضاياها، متمنيا لدولة الإمارات مزيدا من الرخاء والازدهار.
وقال الرئيس السيسي إن دولة الإمارات وعلى خطى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقفت إلى جانب مصر في أصعب المواقف، مؤكدا بالقول: "الشعب المصري لن ينسى أبدا وقفة الإمارات خلال أحداث 2013"، منوها إلى أن "هذه الوقفة هي التي عززت صمود مصر خلال تلك الفترة الصعبة فكل التحية والتقدير والامتنان للأشقاء في دولة الإمارات."
وأضاف: "مصيرنا مشترك، ولدينا القدرة على مواجهة أي تحد، ونحن قادرون على حماية وصيانة أمننا القومي ورد أي اعتداء.. قادرون على ذلك سواء تجاه تحديات ارهابية أو تحديات تمس الأمن في الخليج أو في مصر أو في منطقتنا العربية".
وشدد الرئيس المصري مجددا على قوة ومتانة العلاقات الأخوية التي تربط مصر بدولة الإمارات والقائمة على ثوابت راسخة لن تتغير بمشيئة الله.
- مصر والإمارات.. علاقات قوية وشراكة متعددة الجوانبمصر والإمارات
- مصر والإمارات.. شراكة اقتصادية استراتيجية
نتائج الزيارة
تمخضت الزيارة الرسمية المهمة والناجحة للرئيس المصري إلى دولة الإمارات عن الكثير من النتائج المهمة، لعل أبرزها التأكيد على عمق العلاقات بين البلدين، واستمرار نهج التنسيق والتشاور بين البلدين في عدد كبير من القضايا المهمة خاصة في المنطقة العربية التي أصبحت ساحة جديدة للصراعات والتدخلات الدولية والإقليمية.
كما أثمرت الزيارة عن إطلاق الإمارات ومصر برنامج استثمارات مشتركا بقيمة 20 مليار دولار، حيث قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على حسابه على "تويتر": "أطلقت مع أخي الرئيس عبدالفتاح السيسي منصة استثمارية استراتيجية مشتركة بين الإمارات ومصر بقيمة 20 مليار دولار".
وأضاف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن الاستثمارات تهدف إلى "تنفيذ مشاريع حيوية في مجالات لها جدواها الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة".
جدير بالذكر أن المنصة المشتركة بين الإمارات ومصر تهدف إلى تأسيس مشاريع استثمارية استراتيجية مشتركة أو صناديق متخصصة أو أدوات استثمارية للاستثمار في عدة قطاعات أبرزها الصناعات التحويلية والطاقة التقليدية والمتجددة والتكنولوجيا والأغذية والعقارات والسياحة والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية والخدمات المالية والبنية التحتية وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وإجمالاً، كشفت الزيارة عن أن العلاقات الإماراتية المصرية ستتجه نحو مزيد من التعاون والتنسيق المستمر، خاصة أن هناك قواسم مشتركة في الرؤى والسياسات، ليس فقط تجاه القضايا العربية، وإنما تجاه القضايا الإقليمية والدولية أيضًا.
لذلك فالتحركات التي يقوم بها البلدان في مواجهة الأزمات التي تحيط بالمنطقة، خاصة التدخلات في الشأن الداخلي العربي، تتم عبر التشاور والتنسيق المستمر بين القيادات في البلدين.
هذا الأمر أدى لبروز حجم التوافق الكبير في مواقف الإمارات ومصر إزاء معظم القضايا المصيرية والملحة خاصة قضية الإرهاب التي تبذل فيها الإمارات ومصر جهوداً حثيثة، لمكافحة كافة أشكاله والتطرف والتنظيمات السرية والمتطرفة داخل وخارج أراضيهما، وهناك توافق وتنسيق كامل في الرؤى بين البلدين بشأن سبل وكيفية التصدي لظاهرة الإرهاب.
aXA6IDE4LjExOC4xMjYuNDQg جزيرة ام اند امز