تؤكد دولة الإمارات، من خلال مشروعاتها الثقافية الكبرى، أن الثقافة ليست ترفاً ولا شكلاً من أشكال التزيين الحضاري، بل هي ركيزة استراتيجية وصماماً من صمامات قوتها الناعمة وقدرتها على بناء جسور تواصل فعّالة مع العالم.
ويأتي افتتاح متحف زايد الوطني في 3 ديسمبر 2025، في قلب المنطقة الثقافية بالسعديات، بوصفه أحد أبرز تجليات هذه الدبلوماسية الثقافية التي تعتمد على تقديم سردية وطنية راسخة بجذورها، متجددة بروحها، ومتعانقة مع المستقبل.
يقدم المتحف، بصفته المتحف الوطني لدولة الإمارات، رواية شاملة لمسار الإنسان والمكان منذ العصور القديمة وحتى الزمن الحاضر. وتتجلى في ثنايا هذه السردية قيم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، باعتبارها مرتكزاً أخلاقياً وفلسفياً لمسيرة الدولة داخلياً وخارجياً. فجوهر رسالة المتحف لا يقتصر على استحضار الماضي، بل يوضح كيف تتحول الهوية إلى قوة إيجابية فاعلة تجعل من الثقافة أداة للابتكار وبناء التفاهم المشترك.
وتتضاعف أهمية هذا الافتتاح بالنظر إلى موقع المتحف ضمن منطقة السعديات الثقافية، التي أصبحت واحدة من أكثر البيئات المؤسسية تنوعاً عالمياً، بما تحتضنه من مؤسسات كبرى مثل متحف اللوفر أبوظبي، ومتحف جوجنهايم أبوظبي، ومتحف التاريخ الطبيعي. يشكّل هذا التمركز الثقافي منظومة متكاملة تعزز مكانة أبوظبي بوصفها ملتقى عالمياً للحوار والإبداع، وبوصلة للمعرفة والتبادل الحضاري، بما يعكس رؤية إماراتية ترى في الثقافة أداة تأثير ناعمة وفاعلة.
ويقدّم المتحف تجربة حسية وبصرية متكاملة تعيد تشكيل الذاكرة التاريخية بطريقة معاصرة؛ بدءاً من البيئات الطبيعية الأولى، مروراً بتطور المجتمعات القديمة ودور التجارة واللغة والدين في صياغة الروابط المشتركة، وصولاً إلى التراث البحري وأنماط الحياة التقليدية التي صنعت الشخصية الإماراتية. ومن خلال هذا العرض التفاعلي، تقدم الإمارات نفسها للعالم ليس كدولة حديثة فحسب، بل كحضارة ضاربة في الجذور، تمتلك رؤية مستقبلية متوازنة.
ويمتد مشروع المتحف ليعكس مسار الدبلوماسية الثقافية الإماراتية، التي تتجاوز عرض الموروث إلى ترسيخ قيم التسامح والحوار، وبناء شراكات دولية تقوم على المعرفة والانفتاح. فالثقافة هنا ليست مجرد تعبير عن الهوية، بل وسيلة لتوطيد العلاقات، وجذب النخب الفكرية والفنية، وتعزيز صورة الدولة كقوة ثقافية عالمية.
وهكذا، يصبح متحف زايد الوطني أكثر من صرح ثقافي؛ إنه منصة لصناعة المستقبل عبر الثقافة، ورسالة إماراتية تؤكد أن الهوية جسر نحو العالم، وأن الحوار المبنى على إدراك الذات هو الأساس لبناء مستقبل أكثر سلاماً وتفهماً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة