يمكننا الآن أن نزف للعالم خبر سقوط جماعة الإخوان المسلمين نهائيا، بعد عقود من التخريب المنهجي، وسقط معهم كليا المشروع التخريبي المتهالك الذي تآكل من الداخل والخارج.
فالتنظيم الذي اعتاد ارتداء عباءة الدين، واستخدمها غطاءً لتوسيع نفوذه عبر التخريب والفتن، بلغ اليوم ذروة السقوط المدوي في كل جغرافيا حاول زرع الفوضى فيها.
شهادة وفاة الجماعة الإرهابية وقعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع أمر تنفيذي يقضي بدراسة تصنيف بعض فروع الجماعة كمنظمات إرهابية، وهنا يمكننا القول إنه قد بدأ العدّ التنازلي لمشروع التنظيم الدولي، فالقرار يمهّد الطريق أمام المحاسبة السياسية والقانونية في عواصم مثل القاهرة وبيروت وعمان، وأماط اللثام عن تورّط الجماعة بتحالفات مع مليشيات مثل حماس وحزب الله، وسجّل لحظة فاصلة في تاريخ الجماعة.
في السودان، وجدت الجماعة ساحة رخوة لصياغة نفوذها من جديد. دخلت عبر بوابة العسكر، وتوغلت داخل غرف القرار من خلال تحالفها مع جنرالات بورتسودان، وسيطرت كليا على عبدالفتاح البرهان، وكان واضحا أن قيادة التنظيم في السودان اعتمدت تكتيك "الحكم من الخلف"، واستثمرت في الحرب لإعادة إنتاج نفسها، المراقبون جميعا أكدوا مسؤولية هذه الجماعات عن حرف السودان عن مساره السياسي، والتي رسّخت موقفًا عالميا ثابتًا يواجه مشروع التغلغل الإخواني بالمكاشفة والوضوح.
حين تبنّت دولة الإمارات مشروعًا شاملًا لمواجهة الإخوان، منذ الربيع العربي المشؤوم، قررت تجاوز الخطابات إلى تطبيقات ميدانية، وقامت ببناء تحالف عربي متماسك، وأطلقت مبادرات فكرية وسياسية واقتصادية لمحو آثار التنظيم التخريبي ودعمت السودان بأكثر من 4 مليارات دولار، وأسهمت في استقرار مصر خلال المراحل الانتقالية، وأوقفت تمدد الجماعة في اليمن عند بوابة عدن.
وقد شكّل كل ذلك خريطة صد حقيقية ضد التطرف العابر للحدود، ففي ليبيا مثلا، انهارت الجماعة بعد أن فقدت قدرتها على تحويل العاصمة إلى قاعدة خلفية للتنظيم الدولي، أما في الأردن، فقد أغلق القرار السيادي أبواب المناورة التنظيمية وأوقف تمددهم داخل بنية الدولة. وكذلك الأمر في مصر، فالإجراءات الأمنية والقضائية طوّقت عناصر التنظيم وكشفت خلاياه. كل مشروع إخواني قام على التضليل والخداع سقط أمام يقظة مؤسسات الدولة.
الجميع لاحظ أن قنوات الجماعة الإعلامية تحولت إلى أدوات فجة للتحريض، وكان طبيعيا، ولوعي المجتمعات أن تفقد هذه القنوات جمهورها وتتلاشى قدرتها على التأثير، فالخطاب الذي كان يروّج "الاعتدال" انكشف على حقيقته كمصنع دعائي للفوضى، حيث إن معارك الوعي التي تقودها الشعوب أفقدت منصاتهم مصداقيتها، وتحولت أبواقهم إلى صدى هشّ يعيد إنتاج الكراهية بلغة خشبية.
بالطبع، لاحظنا أيضا أن عواصم القرار الأوروبي تحوّلت من الحذر إلى الفعل، ففي النمسا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا وغيرها من الدول الغربية بدأت خطوات تقنين وتفكيك المنظومات الإخوانية داخل أراضيها، وقد تم تفكيك واجهاتهم "الناعمة"، وتعقّبت شبكات تمويلهم، بعد أن أسّس التصنيف الأمريكي مبررًا قانونيًا للملاحقة. الإخوان فقدوا الغطاء الدولي، وتكشفت مؤسساتهم الوهمية وأسماؤهم المستعارة.
تفتت التنظيم في مراكزه القيادية، وتصدعت بنيته الفكرية، فقد بدا أن جبهتي لندن وإسطنبول تتنازعان الولاء والتمويل، بينما تسود حالة التمرد بين الصفوف الوسطى، والهاربون منهم -الذين يحاولون القفز من السفينة الغارقة كالفئران - يتصارعون على فتات المشروع المتآكل، فيما تغيب المرجعية ويُعاد إنتاج الخلافات داخل التنظيم ذاته. المشروع الفكري دخل مرحلة التفكك، ولم يعد يملك أدوات البناء أو القدرة على الإقناع.
سقوط الجماعة حمل وجوهًا سياسية وفكرية وأخلاقية، فالتنظيم الذي ملأ الساحات بشعارات "النهضة" و"الحكم الرشيد"، غادر المشهد بعد أن أثبت عجزه عن التعايش مع الدولة والمجتمع، ويمكننا القول بأن الإخوان تحوّلوا إلى ذكرى قاتمة، محفوظة في أرشيف التاريخ كدليل على كيف يمكن للأيديولوجيا أن تتحول إلى عبء دموي، وأن الشعوب تجاوزت خطابهم، وأن الدول أغلقت منافذهم، وأن المرحلة القادمة تُكتب بلا وجودهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة